Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حادثة الحرم وذهنية التبرير!

فُجعنا جميعًا يوم الجمعة الماضي بحادثة الحرم المكي الشريف، التي قضى فيها حوالى ١٠٧ من ضيوف الرحمن -حتى وقت كتابة مقالي-، ووصل عدد المصابين إلى ٢٣٨ حالة.

A A
فُجعنا جميعًا يوم الجمعة الماضي بحادثة الحرم المكي الشريف، التي قضى فيها حوالى ١٠٧ من ضيوف الرحمن -حتى وقت كتابة مقالي-، ووصل عدد المصابين إلى ٢٣٨ حالة. نسأل الله تعالى أن يرحم الموتى منهم، ويتغمّدهم بواسع مغفرته، ويجبر أهاليهم، وأن يمنّ على المصابين منهم بالشفاء العاجل.
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود الأفعال المختلفة على هذا الحدث الكارثي الجلل، فيما لم يستطع جلّها الوصول لقراءة موضوعية متوازنة خارج عباءة التسيس، الذي بات مهيمنًا ومسيطرًا على ساحتنا الثقافية العربية، في ظل ما تحتدم به منطقتنا من أحداث سياسية ساخنة، وصراعات إقليمية!. فمن جهة انطلق المبرّرون شاهرين سلاح التفسيرات الدينية الغيبية، متمترسين خلف دروع القضاء والقدر المحتومين، والأنواء الجوية التي يستحيل الحد من أضرارها حتى في أعتى الدول تقدّمًا وتقنية، بل شطح بعضهم حتى الوصول لتفسير الفاجعة بخرّ الرافعة سجودًا لله!. وهنا -يُفترض- أن تخرس الألسنة عن الكلام المباح، وتتوقف العقول عن التفكير والتساؤل، ممتثلة للقضاء والقدر والتفسير الغيبي، منكرة أية احتمالات لتقصير بشري في الأخذ بالاحترازات وإجراءات السلامة، ثم لا تلبث أن تُصدر صكوك البراءة التامّة قبل التأكّد من ملابسات الحدث وحيثياته، وقبل التيقن من إمكانية احتوائه أو عدمها! تقتضي هذه اللغة التبريرية -بطبيعة الحال- نفي وإلغاء حديث المطالبة بالمحاسبة والمساءلة مادام الأمر قدرًا محتومًا، وهكذا يُرخص الإنسان، ويُستهان بالأرواح التي قضت. يدخل أيضًا في خانة التبرير التفسير المؤامراتي الساذج الذي تستعذبه ثقافتنا بغرض تبرئة الذات من المسؤولية!
في المقابل انطلقت ألسنة الشماتة تتصيّد الحدث، وتتراقص حول الدماء، مستهينة أيضًا بالأرواح والأنفس التي قضت، والأخرى المتضررة!، فالغاية والهدف هنا توظيف الحدث وتسيسه، وتسقط الأخطاء وتصيدها، ومحاولة نسف كافة الجهود الجبارة المبذولة من الحكومة السعودية في القيام على شؤون الحرمين، وخدمة الحجيج، وهو ما لا ينكره إلاّ حاقد أو كاره! وهكذا تضيع الموضوعية بين الطرفين، وتحتجب الرؤية المتوازنة -إلاَّ قليلاً- القادرة على الحكم على الأمور وتقييمها وإعطائها حقّها من التحليل والفهم، وصولاً إلى التصدّي للأسباب والتعاطي معها لتجنب أية مخاطر مستقبلية على سلامة الحجيج.
إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتعارض مطلقًا مع الأخذ بالأسباب، ومقاربة الأمر من زاوية نقدية تحليلية تهدف لإظهار الحقيقة، وكشف مواطن الخلل أو الاستهتار بالأرواح البشرية، فيما يعد جريمة -لو ثبتت- تستوجب أشد العقوبات.
نأمل أن تخرج اللجنة التي عينت للتحقيق في الحادث، وكشف ملابساته بإجابات شافية تطمئن الحجاج على سلامتهم، وتؤكد على محاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة المفجعة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store