الحج دروس وعبر

أكتب هذا المقال من جوار المسجد النبوي الشريف وأنا أرى آلاف الحجاج من كل العالم يتجهون إليه أو يخرجون منه، وقد ملأت صدورهم البهجة بأن منّ الله عليهم أن يصطفوا في المسجد الشريف، وتأملت كيف جمع الله هذه الجموع بأن يتجهوا لقبلة واحدة ويأتموا بإمام واحد لا يخالفه أحد منهم، ودعوت كما جمع جموعهم على ذلك أن يجمع قلوبهم على الوحدة، وأن ينظر اليهم من يؤججون الطائفية أو يسفكون دماء البشر كيف توحدوا ونسوا كل الفوارق من جنس أو لون أو مذهب أو جنسية واجتمعوا على ما يوحدهم وتناسوا كل ما يفرقهم.
تغاضوا عن كل الفروق وتوحدوا على ما يتفقون عليه فليت من يستل سلاحه ليقتل من يختلف معه مذهبًا كان بين هذه الجموع المؤمنة علّ الله يهديه لما هداهم إليه، فالجروح من الطائفية مزقت أكثر الدول الإسلامية وبخاصة العربية، ومن خلال الطائفية دخل الأعداء فقوضوا الأمن، وشتتوا السكان، ودمروا كل ما بنته بلدانهم في السنين السابقة ويحتاجون إلى سنين ليعودوا لما كانوا فيه.
الحج ينبغي أن يكون ملهمًا لمن مزقت أمنهم الفتن أن يعودوا لوعيهم ليعودوا لأمنهم، فما من فتنة مزقت بلدًا إلا أوصلته للدمار وخراب الديار وقتل الرجال وترميل النساء وتيتيم الأطفال فليت من امتشقوا السلاح ينظرون لقلوب جمعها الإيمان والتقوى وإن اختلفت جنسًا ومذهبًا فعاشت في اطمئنان روحي، وراحة نفس، فلله هذا الحج وما فيه من عبر، وإن كان المسلمون لم يعتبروا بعبرة في الوحدة وصفاء النفوس وحب الناس فأي عبرة سيعتبرون بها؟!
لولا الأمن لما استطاع الحجاج أن يتذوقوا متعة الروح في الحرمين الشريفين، فالأمن هو صمام الحياة المطمئنة، وهو الذي يجعل الناس ينامون مرتاحين، ويسافرون آمنين، ويأكلون هانئين، ويذهبون للمدارس فرحين، ويبنون بلدانهم لمستقبل أجيالهم مهما اختفلوا ولولا الأمن لما تعايشت جموع الحجاج الذين تعددت أعراقهم لكن توحدت قلوبهم حين اتفقت ووجدت الأمن وارف الظلال.
الحج دروس وعبر والحمد لله أن الله آمن بلاد الحرمين ليؤدي الحجاج عبادتهم وهم لا يخافون إلا من الله، ولا يرفعون يدًا إلا لله، لقد آمنهم الله من جوع وخوف وذلك فضل الله، ونسأله أن يديمه على الحرمين وأن يكفيهم شرور الأشرار، والحمد لله على الأمن الذي جعل الحجاج في راحة وأمان.