Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

شوق للسفر

أفتقد السفر منذ سنوات تفوق العقد..

A A
أفتقد السفر منذ سنوات تفوق العقد.. نعم أفتقده بعين المسافر، فمنذ أن أصبحتُ طيارًا أصبح المطار هو مكتبي ورحلتي اليومية، وكم اشتقت لذلك الشعور الذي ينتابني، بدءًا من استعدادات السفر التي تعم المنزل في ذلك اليوم مرورًا بارتداء الملابس المجهزة مسبقًا للرحلة، خصوصًا للدرجة «الأولى» أو «الأفق»، فقد تعلمنا أن للسفر آدابه، أو «الإتيكيت» الخاص به.. ويقول «بينيت سير»: إن الإتيكيت هو ذلك الصوت المزعج الذي لا يصدر عنك وأنت ترتشف الحساء!
والحقيقة أن لكل شيء آدابه واحترامه، وكانت والدتي تقول لنا في الطفولة: «للأكل احترامه»، ورغم بساطة الكلمة في ظاهرها، إلا أنها زرعت وقتها ثقافة ربما تكون غائبة اليوم عندما استباحت الهواتف طاولات طعامنا وحجرات نومنا.
ثم تأتي رحلة السيارة التي تشق شوارع جدة الخالية في تلك الأيام إلا من بعض المركبات ليلًا (لأن أغلب الرحلات البعيدة كانت ليلًا)، وكانت أية رحلة من أي مكان في عروس البحر إلى المطار لا تستغرق أكثر من خمسة عشر دقيقة!
عادة ما يشوب السفر، بعض القلق، وربما الترقب.. مهما بكّر المرء في الحضور واحتاط، إلا أن ذلك يُقنِّن التوتر ويريح الأعصاب.. التي لو خرجت في بداية الرحلة عن السيطرة، لكانت مثل كرة الثلج في ازديادها.. ولأفضت إلى نتائج سيئة.
حتى كتابة هذه السطور، لم تتغير الرحلة من صالة السفر إلى الطائرة عبر الحافلة.. اللهم إلا أنها كانت حافلة «موبيل لاونج» تصعد وتهبط، ثم أصبحت حافلة اعتيادية، على سلم الطائرة كانت لباحة المطار رائحة مميزة بسبب وقود الطائرات، ألف أنفي المسكين عطرها!
في مقصورة الطائرة نأخذ أماكننا المُعدّة لنا حسب ورقة الصعود دون جلبة تُذكَر، وهنا تبدأ رحلتنا المثيرة التي جمعتنا في هذا المكان الصغير نسبيًا بأناس قد نراهم لأول مرة.. وربما آخر مرة.. نجلس بجانبهم.. نأكل معهم، نستمع لقصصهم، وحتمًا نساعدهم فيما لو طلبوا ذلك.
كان أبي رحمه الله يأخذ صحيفة واحدة ولا يكررها لو كانت لدى جاره، لوجود اتفاق «غير معلن» بين الركاب على تبادل الصحف لإفساح المجال للجميع للقراءة.
لا أذكر أن تعليمات السلامة المتلوّة كانت بذلك الصوت المرتفع كهذه الأيام! وعندما جلستُ بجانب أحد الوزراء الحاليين صُدفة في إحدى الرحلات.. تعرّفنا، وشدّني الحديث إليه ولروحه الشابة، فأحببتُ الاستماع لتجاربه الشيقة.. وجاء وقت تعليمات السلامة، فكانت كصوت الرعد فوق رأسي! وقلت لنفسي: ما لي أنا ووسادات المقاعد التي يمكن استخدامها للطفو فوق الماء! واضطررت لوضع «وسادة» النوم على مصدر الصوت فوق رأسي! والاستمتاع بالحديث الشيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store