Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

على مائدة (السناب شات) اجتمعنا!

يتنامى الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، فيما أصبح يُشكِّل ظاهرة تستحق الدراسة، لنعرف مدى تأثيرها على مجتمعنا، وإلى أية درجة استطاعت إحداث تغيير في الثقافة بما هي مجموعة العادات والتقاليد والقيم السائدة

A A
يتنامى الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، فيما أصبح يُشكِّل ظاهرة تستحق الدراسة، لنعرف مدى تأثيرها على مجتمعنا، وإلى أية درجة استطاعت إحداث تغيير في الثقافة بما هي مجموعة العادات والتقاليد والقيم السائدة. يبدو (السناب - شات) حاليًّا الحاكم بأمره على هذه المواقع، فهو الأكثر رواجًا بامتياز. ومجتمع السنابيين والسنابيات في ازدهار مطّرد، فالسناب لم يكتفِ فقط بتجميع شريحة الشباب تحت مظلته الواسعة، ولكنه يضم شرائح عمرية مختلفة، وشخصيات مشهورة، وأخرى مغمورة، تتمايز اهتماماتها، وتختلف غاياتها من إنشاء حساباتها حد المفارقة والتناقض! من الدعاة المشهورين الذين يلتف حولهم المريدون، إلى الفنانين والفنانات الذين يدور حولهم المعجبون، إلى الشباب الطموح والراغب في إحداث تغيير نوعي في الذهنيات النمطية، إلى الدائرين والدائرات في دوامات الاستعراض، ووهم التفوق والتميّز، أو الانهمام المرضي بالذات، وتضخم الأنا، أو الباحثين والباحثات عن إعجاب الجنس الآخر، إلى مختلف الشرائح والنماذج الذين يضعهم السناب على قدم المساواة والتشابه، فالجميع على مسرحه الافتراضي بإمكانهم إخراج مواهبهم وإمكانياتهم.
النجومية السريعة السهلة في متناول اليد (في سناب) أو لمحة خاطفة، إذا ما استطاع صاحب الحساب أو صاحبته توظيف مواهبهما لجذب المتابعين حتى لو عزفوا على أوتار التفاهة الفجة، أو الغرائبية، والخارج عن المألوف! على السناب الحياة برمتها لقطة أو مجموعة لقطات، والمهارة تكمن في اقتناص ماهية اللقطات ولغة العرض، فيتحوّل الهامشي إلى متن، والافتراضي إلى حياة حقيقة تُعاش من خلال كاميرا الجوال! فيما يذوب أيضًا الخط الفاصل بين الافتراضي والواقعي، لتصبح الحياة الافتراضية البديلة بعلاقاتها البعيدة القريبة نمط حياة، على قدر ما هو واهٍ وهشٍّ على قدر ما هو حقيقي وموجود، وكأن الحياة لا تستقيم، والتواصل لا يكتمل إلاَّ بها! بل لعلّ الشريحة الأصغر عمرًا لا تعرف لنفسها طريقًا للتواصل إلاَّ من خلال العوالم الافتراضية، فتخلع عنها خجلها وإحجامها لتبدو شخصيات مختلفة عمّا تبدو في الحقيقة! كثيرًا ما يهدر وقت الشباب وجهده في أروقة السناب، ولكن في ظل التهميش وعدم إشراك الشباب في فعل حقيقي في مجتمعاته، والفشل في خلق عوالم جاذبة له، يظل السناب وغيره هو المتتفس!
على مائدة السناب أيضًا تتحول تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة إلى حدث فاقع يتم من خلاله التماهي مع وهم الأهمية والإحساس بتضخم الذات، ولا بأس هنا من خرق الخصوصية والتفتيش في دهاليزها لإخراج المخبوء والمستور، وكله لأجل عيون السناب، وجمهور السناب يهون، حتى لو كان الثمن عرض لحظات المرض والألم، أو الفقد لكسب التعاطف، أو لجذب المتابعين! فيما تشجع زئبقية العالم الافتراضي، وعدم القدرة على الإمساك بتلابيب اللحظة فيه على اختراق المحظورات الاجتماعية وكسر التابوهات.
اليوم السناب شات، وغدا غيره، فيما يزداد الإنسان وحدة وعزلة، وبدلاً من أن يعيش الحياة ينشغل بتصويرها!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store