Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الجنة والوصول إليها

في البيت المكاوي على مقربة من المسجد الحرام نشأت بين عشرة أخوات وإخوان، أذكر في طفولتي أننا نستيقظ من النوم عند الفجر على دعاء أبي قبل صلاة الفجر، يُرتِّله بخشوعٍ، ويصبح صوته نشيجًا موجعًا عندما يبلغ

A A
في البيت المكاوي على مقربة من المسجد الحرام نشأت بين عشرة أخوات وإخوان، أذكر في طفولتي أننا نستيقظ من النوم عند الفجر على دعاء أبي قبل صلاة الفجر، يُرتِّله بخشوعٍ، ويصبح صوته نشيجًا موجعًا عندما يبلغ التذلل إلى ربنا -عز وجل- لبلوغ الفردوس الأعلى.
ومع صباح مكة تستيقظ جدّتي التي تحتضن كومة من الأحفاد بكل حواسها، وتقصُّ علينا حكاية الجنة ومباهجها، وتختار قصص الأنبياء التي بها عظة ورحمة ومودّة، وبعد أن تنتهي تختار الأفعال الطيبة من الحكايات لتغرسها منهاجًا للتعامل معنا، وتؤكد علينا أن تلك الأقوال والأفعال ستُدخلنا الجنة، وتتلو علينا بعض الآيات منها قوله تعالى: (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون)، وتُعدِّد نِعم الجنة ونحن منبهرون.. حتى أصبحت الجنة مبتغانا.. نسألها: هل الجنة بعيدة يا جدّتي؟ فكانت تجيبنا أنها ليست بعيدة المنال، فقد شيّدها الله لمن يسعى إليها، فكنت أطرح بتفكيري أسئلة، فتنتهي الحكاية ونرى الجنة في أحلامنا وأيامنا وليالينا، هكذا كانت تُصوِّر لنا جدّتي الجنة ونحن صغار.. وبعد الحكاية والرواية تبدأ طقوس إطعام حمام بيت الله. وتُخبرنا قصصا عن حمام بيت الله، وأن إطعامهم أحد السُّبل إلى الجنة، لا أذكر يومًا عدتُ فيها إلى مدينتي العزيزة مكة، إلا وكل ذكريات طفولتي تمر بي، وقد عبث بي الزمان واعتصرتني الأيام ولم يتبقَ عندي إلا بعض من ذكرياتي المكاوية. وهي ذخيرتي وزادي التي أنسى بها مُرّ الحياة، وأتذكر سوق الصغير بيتًا بيتًا ودكانًا دكانًا.. أيامًا حميمة ملؤها الود، دافئة، عشتها بين الجيران والأقران، كانوا أوسع أفقًا ممّن يُكفِّروننا ويُفجِّروننا ويُدمِّروننا في بيوت الله، كانوا أكثر انفتاحًا على نوافذ العقول الصغيرة، تجاوزوا الحور العين والولدان المخلدين.
شيء من الذاكرة المكاوية استرجعها لكم، أنتقي منها حكاية جدّتي والجنة. مهما قرأ الأطفال عن الجنة فإنها ستظل غامضة في أذهانهم، ما لم يروا في سلوكيات الكبار تجسيدٌ لها. خدعوك أيها الشاب وقالوا لك: بالموت والدمار تدخل الجنة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store