Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مجلس الشورى وتأخر عضوية المرأة

مبدأ الشورى من الأسس التي تستند عليها النظم السياسية والاجتماعية والمالية والحربية ‏والأسرية في الإسلام، ولقد منح الإسلام المرأة حق الشورى كما منحه للرجل، ولذا جاءت آيتا ‏الشورى بصيغة العموم لتشمل الاثنيْن معاً، يقول تعالى: (فَبِمَا رَحمَةٍ مَّن اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ‏وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك فَاعفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم ‏في الأَمْرِ) [آل عمران: 159] واضح من الآية هنا أنَّ الخطاب جاء بصيغة ‏العموم، أي يشمل الذ

A A

مبدأ الشورى من الأسس التي تستند عليها النظم السياسية والاجتماعية والمالية والحربية ‏والأسرية في الإسلام، ولقد منح الإسلام المرأة حق الشورى كما منحه للرجل، ولذا جاءت آيتا ‏الشورى بصيغة العموم لتشمل الاثنيْن معاً، يقول تعالى: (فَبِمَا رَحمَةٍ مَّن اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ‏وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك فَاعفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم ‏في الأَمْرِ) [آل عمران: 159] واضح من الآية هنا أنَّ الخطاب جاء بصيغة ‏العموم، أي يشمل الذكور والإناث، وإلاَّ لكانت دعوته صلى الله عليه وسلم خاصة ‏بالرجال دون النساء إن اعتبرنا أنَّ قوله جل شأنه (وشاورهم في الأمر) قاصر ‏على الرجال، إذ لا يمكن تجزئة الخطاب هنا إلى جزءين جزء يشمل الرجال ‏والنساء، وهو الخاص بالدعوة، أمَّا الجزء المتعلق بالشورى فهو خاص بالرجال ‏فقط، وذلك من أجل أن نحرم المرأة من حق الشورى! ولو كان الأمر كذلك ‏لاستثنى الله جلَّ شأنه النساء منها.‏

 

ننتقل الآن إلى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبَّهم وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى ‏بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون) [الشورى: 38]‏

فالخطاب هنا جاء بصيغة العموم أيضاً، ولو قصرنا قوله تعالى (وأمرهم شورى ‏بيْنهم) على الرجال دون النساء، فهذا يعني أنَّنا قصرنا الصلاة والزكاة والصدقات ‏التي هي من الإنفاق على الرجال أيضاً، وأسقطنا ذلك عن النساء، وهذا يتنافى ‏عمّا جاء به الإسلام.‏ وعمومية الخطاب وردت في أحكام كثيرة مثل حكم الصيام: (يا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا ‏كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيَام كَما كُتِبَ عَلى الَّذِين مِن قَبْلِكُم) فنحن لو قصرنا صيغة الخطاب ‏في (وشاورهم في الأمر)، و(أمرهم شورى بينهم) على الرجال فقط هذا يعني ‏أنَّنا قصرنا الخطاب في آية الصيام على الرجال فقط، وبالتالي نكون قد أسقطنا ‏حكم الصيام عن المرأة، وهذا يتنافى مع ما جاء به الإسلام.‏

وإن كان هناك إصرار على قصر الشورى على الرجال، فإذاً آية البيعة خاصة ‏للنساء فقط، ولا بيعة للرجال، لأنَّ الخطاب فيها خص به النساء (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ...) إلى آخر الآية، وهذا بلا شك ليس المراد من آية ‏البيعة، فجاء التخصيص للتأكيد على استقلالية بيعة المرأة عن بيعة الرجل، وليست ‏تابعة لبيعة الرجل بدليل أنَّ الصحابيات الجليلات بايعن الرسول صلى الله عليه ‏وسلم، كما مارس الصحابيات الجليلات حق الشورى في العهديْن النبوي والراشدي ‏وما تلاهما من عصور وحِقب، وأول مستشار في الإسلام كانت امرأة، هي السيدة ‏خديجة رضي الله عنها التي استشارها الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر ‏الوحي، وهو أمر عام وليس خاصاً بالنساء، وكذلك أخذ بمشورة أم سلمة رضي ‏الله عنها في ما بدر من الصحابة رضوان الله عليهم بشأن صلح الحديبية، وهو ‏أمر عام بالمسلمين، والأدلة كثيرة لا حصر لها على ممارسة المرأة المسلمة لحق ‏الشورى في مختلف العصور والحقب.‏

إذاً لا توجد حرمة شرعية تحول دون عضوية المرأة في مجلس الشورى، ومادامت المادة ‏الرابعة من النظام الأساسي لمجلس الشورى تعطي للمرأة حق العُضوية؛ إذ لم يُشترط فيها ‏ذكورية العضوية.‏

ومادامت المرأة السعودية بعد مضي نصف قرن من انطلاقتها التعليمية أصبحت مؤهلة ‏لعضوية مجلس الشورى لتكون عضوة في جميع لجانه الـ(13).‏

ومادام رئيس المجلس ونائبه ومعظم أعضائه لا يمانعون من عضوية المرأة في المجلس ‏عضوية كاملة، ومادامت قرارات المجلس وتوصياته يؤخذ بها 100% كما قال الدكتور خضر ‏القرشي عضو مجلس الشورى في برنامج البيان التالي الذي أذيع على الهواء مباشرة في قناة ‏دليل يوم الجمعة 4/8/1431هـ، فلماذا المجلس لم يرفع بتوصية إلى المقام السامي بضرورة ‏عضوية المرأة في مجلس الشورى، مقرونة بتوصية أخرى بتعديل الجزء الأول من المادة ‏الثالثة لتكون «يتكون مجلس الشورى من رئيس وثلاثمائة عضو نصفهم نساء...».‏

ولكن للأسف الشديد مجلس الشورى لم يقدم بعد على مثل هذه الخطوة التي ستعطي دفعة قوية ‏لقرار عضوية المرأة في المجلس، ولعل هذا يرجع إلى عدم قناعة المجلس بأهمية عضوية ‏المرأة، وهذا ما لمسته من رد معالي الدكتور خضر القرشي على مداخلتي في برنامج «البيان ‏التالي» حول ضرورة وأهمية عضوية المرأة في مجلس الشورى، فكان رده أنّ النظام ‏الأساسي للمجلس لا يحول دون عضوية المرأة، وأنه مع عضوية المرأة في المجلس ولكنه لا ‏يعطي أهمية لذلك بقوله بما معناه: إنَّ هناك أهم من عضويتها في مجلس الشورى، وهو حل ‏مشاكل فقرها وأميتها وعضلها، وهذه أمور لم نُوّلِّها اهتمامنا.‏

وهنا أقول: إنَّ عضوية المرأة في مجلس الشورى سوف تجعلها تُسهم في حل كل هذه ‏المشاكل، وغيرها لأنَّ بعض الأنظمة والقوانين ساعدت على زيادة نسبة أمية المرأة وجهلها ‏وفقرها، وعضلها، وممارسة العنف ضدها، وحرمانها من حقها في الميراث، وفي طلب ‏الطلاق، وحضانة أولادها، وكذلك حرمان المطلقة من الزواج لئلا تفقد حضانة أولادها لسن ‏السابعة للذكور والتاسعة للبنات، وسلبها حق منح جنسيتها لأولادها من أب غير سعودي بلا ‏شروط مثلها مثل شقيقها الرجل، أليس هناك أنظمة ولوائح تسلب المرأة البالغة الرشيدة ‏أهليتها، وتعطي لولي أمر المرأة الحق في الحرمان والمنع وقتما يريد وكيفما شاء ولنبدأ ‏بمشكلة أمية المرأة، فالنظام يشترط على قبول الفتاة في المدرسة أو الجامعة موافقة ولي ‏الأمر، ويعطى لولي الأمر حق سحب ملف الفتاة متى أراد، وهذا من أهم عوامل أمية المرأة ‏وارتفاع نسبتها عن الرجل، ومجلس الشورى لم يبحث هذه القضية ويرفع توصية بإلغاء ‏اشتراط موافقة ولي الأمر في تعليم المرأة، لأنَّ العلم فريضة دينية.‏

وطالما المرأة أمية فهي ستعاني من الفقر لانعدام فرص العمل لديها، ويعود أيضاً فقر المرأة ‏إلى اشتراط موافقة ولي المرأة على التحاقها بالعمل، فهو يحرمها من العمل حتى لو كانت ‏متعلمة، وعندما يطلقها، يلقي بها في الشارع، لا مأوى لها، ولا معيل، فلا توجد أنظمة ‏وقوانين تحمي المطلقة، وتحفظ حقوقها، وكذلك يعود فقرها إلى عادات قبلية مسيطرة على ‏بعض القبائل في بعض مناطق المملكة، وحرمان المرأة البالغة الرشيدة من أهليتها الكاملة التي ‏وهبها لها الخالق حرم عددا كبيرا من السعوديات حقهن في الميراث، وأصبحن بذلك فقيرات ‏يعشن على الضمان الاجتماعي وإعانات الجمعيات الخيرية، وهن يمتلكن الملايين، فأين لجنة ‏الشؤون الإسلامية والقضائية في المجلس من حل هذه المشاكل؟ ‏

‏ يقول المثل الشعبي «ما يحك جلدك إلاَّ ظفرك» فقضايا المرأة لن تُحل ما لم تكن المرأة في ‏مواقع تؤهلها للمشاركة في حلها، فوجود المرأة ضرورة شرعية واجتماعية وتنموية في ‏مجلس الشورى في لجانه الثلاث عشرة، لتحقيق التوازن في قراراته، وللحد من أمية المرأة ‏وفقرها وعضلها وممارسة العنف الأسري ضدها بكل أشكاله وألوانه وأنواعه، وذلك برفع ‏توصيات بتعديل الأنظمة والقوانين التي تعطي لولي أمر المرأة سلطات ليست له تسلبها أهليتها ‏التي منحها لها الخالق، وتتعامل معها معاملة القاصر مهما بلغت من السن والعلم والمعرفة، ‏في كل الأحوال إلاَّ في حالة تطبيق القصاص والحدود والتعزيرات عليها، عندئذ تصبح كاملة ‏الأهلية، بل أحياناً يُحكم عليها أحكام أشد من الرجل، وأذكر على سبيل المثال، شاب ارتكب ‏فاحشة الزنا مع قريبة له برضاهما، وحملت منه سفاحاً، حكم على الفتاة بالسجن، والشاب طليق ‏لم يُسجن، وجاءنا قريب للفتاة إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان محتجاً على عدم معاقبة الشاب، ‏فالاثنان مخطئان!‏

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store