Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الانحراف.. الجينات المتوارثة

No Image

لا شكّ أنّ الانحراف الفكريّ وما يتصل به من أحداث إرهابية يحمل بين طيّاته المعلنة أو المستترة تهديدًا أمنيًا يمسّ الدّين في جوهره والوطن في مقوماته، ويؤثّر تأثيرًا بالغًا بالفرد الواحد؛ فضلًا عن المجتم

A A
لا شكّ أنّ الانحراف الفكريّ وما يتصل به من أحداث إرهابية يحمل بين طيّاته المعلنة أو المستترة تهديدًا أمنيًا يمسّ الدّين في جوهره والوطن في مقوماته، ويؤثّر تأثيرًا بالغًا بالفرد الواحد؛ فضلًا عن المجتمع المتعدّد.
وإذا أردنا البسط قلنا: إنّ ضرر الانحراف الفكري لا يقتصر في عُرف العقلاء على من يحمله بين (أمخاخه)، أو على من ينثره من بين فكيّه فقط؛ فضرره يتجاوز ذلك كلّه إلى حيث يتحوّل بفعل السّوء الذي يعلنه أو يضمره إلى (إسقاطات فعليّة) تهلك الحرث والنّسل، يقول الدكتور محمد الدغيم في هذا السّياق:» الانحراف الفكريّ يعني انحراف الأفكار، أو المفاهيم، أو المدركات عمّا هو متّفق عليه من معايير وقيم، ومعتقدات سائدة في المجتمع».
وكلنا يقرّ- إلاّ مطموس البصر مسلوب البصيرة- أنّ الأحداث الإرهابيّة التي أصابت هذا الوطن الغالي هي في الجمْلة أحد تلك (الإسقاطات الفكرية)؛ لأنّها – في أول الأمر وخاتمته- سببٌ أساس لوجوده من عدمه.
إنّ القتل، والتّدمير، والإفساد كلّها: (بؤرٌ!!) سقتْها أفكارٌ منحرفة، أُسقطت بفعل ذلك الفكر المنحرف فاستحالت إلى (ويلات ماديّة)، و(مهلكات محسوسة) بقبح ذلك الفكر ما راح ضحيته الكثير من أبناء هذا الوطن؛ ناهيك عن الأضرار الأخرى!!
إذن؛ نستطيع أن نقول ونحن على يقين: إنّ الانحراف الفكري ينتقل بفعل معطياتٍ تسانده، وتتفاعل معه وبه: إنّه كالجينات المتوارثة، آن لنا أن نستحثّ الخطى بحثًا (صادقًا) عن أسباب ظهوره، ودرسًا (جادّاً) لمعطيات علاجه.
إنّ الفكر المنحرف، أيًّا كان ذلك الانحراف، يبدأ حين يبدأ من فكرة شرّيرة، وغواية شيطانيّة، يستحيل بعدئذٍ إلى فعلٍ ممارس يستبيح القتل ويهلك الحرث والنّسل، وما الفعل الإرهابي إلاّ أبرز مسبّباته ومكوّناته، وهذا ما عبّر عنه خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله- بالقول: «إنّ الجريمة تبدأ في العقل المنحرف المريض وجرائم الإرهاب بالذات لا تولد إلاّ في أشد العقول ظلامًا وضلالًا».
واتّكاءً على ما قلت به قبلًا: هناك جريمةٌ مهلكة، وللجريمة – الانحراف الفكري- منبتٌ تستقي منه أدوات بقائها وديمومتها؛ بل وانتشارها، ما لم يسارع أولو النّهى لمعالجة ذلك المنبت السّوء المتغلغل في العقول والأمخاخ!!
وهناك– أيضًا- فكرٌ ما، يحمل داءً (خبيثًا)، يمارسه المنحرف تطبيقا (فعلً): قتلًا، وتفجيرًا، وتدميرًا؛ وهذا ما عّبر عنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- قائلاً: «وحين نتصدى للإرهابيين يجب أن نتصدى في الوقت نفسه للفكر القاتل الذي يحوّل الشباب المغرر به إلى أدوات قتل وتدمير..»، وفي هذا السّياق يقول الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله- بعد أن تحسّس الدور الخطير الذي يحمله الفكر من ويلات ومهلكات - حال انحرافه عن جادة الحق والصراط المستقيم-، يقول:»إنّ سلامة الإنسان وسعادته مرهون بسلامة فكره؛ ذلك أنّ الشّخص الذي انحرف فكره سوف يكون عرضة للتيارات الضّالة، ويعرض حياته وحياة مجتمعه للمخاطر»، وبهذا حق علينا أن نعتقد كما يعتقد العقلاء بما قال به الأمير نايف قبلًا:»إنّ سلامة الإنسان وسعادته مرهون بسلامة فكره..».
أما لماذا؟؛ فلأنّ سلامة الإنسان في الأساس مرهونة بأمنه؛ والأمن لا يتأتّى إلاّ بسلامة الأفكار من الانحرافات؛ والأمن في نهاية المطاف حاجة إنسانيّة ملحّة، ومطلبٌ فطريٌ: فلا الفرد والواحد، ولا المجتمع المتعدد يستطيع أن يستغني عن أمنه واستقراره.
إنّ الأمن حالة شعوريّة؛ إذ لا قيمة له إنْ لم يجد الإحساس به، ويتولد الشعور بأنّ ثمة فارقًا بينه وبين الخوف، وإن لم يتحوّل ذلك كلّه إلى إدراك حقيقي يتمخض عنه سلوك يؤكّد أنّ ثمة ما يطمئن على السّعي في الحياة، والحركة لإعمارها وإصلاح المفاسد في مناحيها ومقاصدها ومناهج الاقتراب منها.
إنّ طبيعة الأمن كإحساس أو شعور تستلزم كائنا (حيًا) إنسانًا أو غيره؛ ولذلك حرص الإسلام عل أن يغلف الأمن حياة الإنسان - كما يقول الدكتور عثمان العامر- وحياة الكائنات الحيّة الأخرى المسخرة لخدمته ونفعه ومساعدته على أداء رسالته الاستخلافية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة