Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عجائب الخلق مع الله!

صِدقُ العباد مع الله له حكايات كثيرة، فإن عجز اللسان عن وصف الحال، وقلّت أدوات المعرفة، وامتنع توظيفها في التمهيد لشرح المُشكِل، بقي قلبٌ (مسكون) ومخزونٌ بمشاعر، وفارغٌ في الوقت نفسه إلاّ من وسيلة إسع

A A
صِدقُ العباد مع الله له حكايات كثيرة، فإن عجز اللسان عن وصف الحال، وقلّت أدوات المعرفة، وامتنع توظيفها في التمهيد لشرح المُشكِل، بقي قلبٌ (مسكون) ومخزونٌ بمشاعر، وفارغٌ في الوقت نفسه إلاّ من وسيلة إسعاف للاتصال بمبُدعه!
أكثر من حكاية، تُنبئك عن صدق وخلاص العلاقة بين عبدٍ وربه، وتُنَفِّرُك إن أنت وعيتها من كل دعاء إنشائي مُطوّل لا تستحضر فيه سوى الملل، متسبّبًا في جعلك تفكر أكثر في دنياك، ورزقك ومآل أولادك مُستغلاًّ ساعات انتظار انتهاء الداعي في خطبة.. أو قيام!
الحالة الأولى: لحاجّةٍ وصلت للكعبة بعد طول سفر، فاستدبرت القبلة وتوجّهت إلى الله خاشعة تحت أمطار البكاء من غير كلام، وأدارت ظهرها للكعبة، تعجَّبَ أكثرُ مِن فطِنٍ، ولاهٍ حتّى.. نهرَها غيرُ واحدٍ، فأجابتهم صاحبتُها بعد أن طال الاستنكار: «سيبوكم منها.. هي عاملة عمايل، ومكسوفة تقابل وجه ربنا بيها»!! فتأمل المشهد!
حالةٌ أخرى: داعٍ يدعو من قلبه: «ياربّنا.. حاجة على ذوقك»!
ولك أن تتصوّر «حاجَةً» تُمنَح للعبد من ربه بما يُرضي الله ويُرضي العبد الراضي برضا الله، وهذا المعنى الحقيقي والأقرب لمعاني الاستخارة العظيمة: «اللهم خِر لي واختر لي» فأيّ اختيار فوق اختيار الله؟!
ومع بساطة اللغة وجفائها الظاهر.. واحتياج الطالب لتعلُّم الأدب، إلا أنّ معاني الصدق أظهر.
الحالة الثالثة: مع انهماك المتزاحمين وبُكائهم، وطمعهم.. أحسّ بساعة التجلّي، وكرم المولى، وكثرة السائلين، فانفرد جاهلٌ -وهو عليمٌ؛ لشدّة إخلاصه واستشعاره وتوجّهه بحق- وبصوتٍ خافت وخائف: «ياربّ.. ياربّ.. ياربّ سيبك منهم وخلّيك معاي»!!
ويقصد المسكين: «كن معي يا الله، واسمع دعائي». وربُّنا تبارك وتعالى: «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير»، و»يعلمُ خائنة الأعيُن وما تُخفي الصّدور» فكيف بمن يبوح؟!
والحقّ أننا نحن المساكين من شدّة تعلقنا بالسجع والأنغام، ونسيان الأصل في الدعاء والمقصد، وهو «الوصول».. ولو «بكلمة واحدة»!.. فيا ربّ.
وآخر.. يُجهِدُ نفسه في التمهيد لمناجاته مع الله، وشرح ذنبه، وحاله، فكيف تُمهّد للدخول في موضوع مع خالقِك؟! توقّف هنا وتأمّل.. وتوقف مرة أخرى وتفكّر.
إلاّ أن يكون الحال حال تلذّذ.. فهي حكاية أخرى وتستدعي مقالاً آخر.
والله يتولى هدانا وهداكم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store