Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الإرهاب: إرادة حيّة لتصدير العنف!!

No Image

خلصتُ في المقالِ الفائتِ إلى القولِ:» إنّ ضررَ الانحرافِ الفكريِّ لا يقتصرُ في عُرفِ العقلاءِ علَى مَن يحملهُ بينَ (أمخاخهِ)، أو علَى مَن ينثرهُ من بين (فكيّهِ) فقط؛ فضررُه يتجاوزُ ذلكَ كلّه إلى حيث ي

A A
خلصتُ في المقالِ الفائتِ إلى القولِ:» إنّ ضررَ الانحرافِ الفكريِّ لا يقتصرُ في عُرفِ العقلاءِ علَى مَن يحملهُ بينَ (أمخاخهِ)، أو علَى مَن ينثرهُ من بين (فكيّهِ) فقط؛ فضررُه يتجاوزُ ذلكَ كلّه إلى حيث يتحوَّلُ بفعلِ السوءِ الذي يعلنُه أو يضمُره إلى (إسقاطاتٍ فعليَّةٍ) تهلكُ الحرثَ والنّسلَ: وتلكَ لعمرِي علامةُ فسادِهِ، وقبحُ حامله والمروّج لهُ.
وعلى هذَا؛ فإنّ الأحداثَ الإرهابيَّةَ التي مرَّت بنَا هي انحرافاتٌ فكريَّةٌ في المقامِ الأوَّلِ، وإنْ تلبّستْ (بلبوساتٍ) متنوَّعةٍ، و(أقنعةٍ) مختلفةٍ، حتّى استحالتْ إلى إسقاطاتٍ فعليَّةٍ برسمِ ذلكَ الانحرافِ!!
إنَّ كلَّ جريمةٍ إراديَّةٍ مسبوقة بفكرةٍ شرّيرةٍ في الدِّماغِ/ الفكر!!، نعم؛ فكلُّ جريمةٍ على الأرضِ هي إرادةٌ حيَّةٌ، تسبقُها فكرةٌ، تحملُ في ثناياهَا بوادرَ الغوايةِ، فاستولتْ على العقلِ وأحاطتْ بهِ، وبسطتْ نفوذَها حتّى استبطنتهُ؛ إنَّه: طرْقٌ (لطيفٌ)، أو(ضعيفٌ) للمنطقةِ الأساسِ لتصديرِ العنفِ والإرهابِ: منطقة (الدّماغِ)، أو الذهنِ؛ في حين أنّه كانَ يجبُ أنْ تظفرَ هذِه المنطقةُ بالاهتمامِ الأوَّلِ.. والأعظم.. والأطولِ..
أمَّا لماذَا؟ فالإجابةُ يحتويها الأستاذُ زين العابدين الركابي بالقولِ: «لأنَّ كلَّ جريمةٍ (إراديَّةٍ) على الأرضِ مسبوقةٌ -تفكيرًا زمنًا- بفكرةٍ شريرةٍ في الدّماغِ: فالفكرُ الإرهابيُّ هو الجريمةُ في (مرحلتِها الذهنيَّةِ الجنينيَّةِ)، أمَّا الفعلُ الإرهابيُّ فهُو: (الصورةُ الماديِّةُ -المشاهدة والملموسة- لهذَا الفكرِ)».
ويضربُ الركابي مثالاً لذلكَ: إنّ السيارةَ أو البناية (المفخّخةَ) نتيجةٌ تلقائيةٌ لـ(الأدمغةِ المفخخةِ)». ومن هنَا فإنّه مهما اتّسعتْ دائرةُ البحثِ عن (أسبابِ) العنفِ والإرهابِ -وهُو بحثٌ لا بدَّ أنْ يكونَ- فإنّ سببَ (الانحرافِ الفكريّ) سيظلُّ محتفظًا بمكانتهِ الأولَى؛ لأنّ الفعلَ البشريَّ يسبقُ بالضرورةِ بـ(فكرةٍ)؛ سواء أكانَ الفعلُ فرديًّا أم جماعيًّا: عملاً جزئيًّا أم مكتملاً..
-بحسب تعبير الركابي- وهذِه الفكرةُ، المترجِمةُ للإدراكِ والإرادةِ والنيَّةِ والقصدِ، هي مناطُ المسؤوليَّةِ: تعيّنًا وتحمّلاً، ومناطُ الثوابِ والعقابِ.
فهل بقي للقول من إضافة؟
نعم؛ إذا اعتقدنَا بعلّةِ الفكرِ: انحرافًا، واعوجاجًا، ومرضًا.. فما العلاجُ إذنْ؟!
إنّ المريضَ بهذَا الفكرِ لا يُعالجُ (فقط) كمَا يزعمُ الزّاعمُونَ بـ(الوعظِ)، ولا بالنّصحِ والإرشادِ -ولا بأسَ من وعظٍ ونصحٍ وإرشادٍ دونَ (تعويلٍ كاملٍ)- بل تجبُ المعالجةُ بالاستنطاقِ الفكريِّ، والتّوجيهِ العقليِّ (لا) العاطفيّ، تساوقًا والمعالجة الأمنيّة، التي -لاشكّ- أتتْ ثمرتهَا في محاربةِ هذَا الفكرِ المنحرفِ، والفعلِ الإرهابيّ.
أمّا لماذا؟ فلأنّ الوعظَ، وكذاكَ النّصح والإرشاد عواملُ عاطفيِّةٌ سرعانَ ما (تتبخّرُ!!), إذ إنّها في خاتمةِ المطافِ مجموعةٌ من الشُحنِ التي (تدغدغُ) العواطفَ، و(تستفزُّ) الأحاسيسَ، ولا ترتقِي إلى الجوانبِ الخفيَّةِ/ المظلمةِ في العقلِ/الدماغِ.
في دراستِه المعنونةِ بـ»مسؤوليّةِ المجتمعِ عن حمايةِ الأمنِ الفكريّ لأفرادهِ» يقولُ الدكتور عادل الشدي:» فالمصابُ بهذَا المرضِ لا يعالجُ بالتركيزِ على الوعظِ والتّخويفِ من عقابِ اللهِ، فهذا الأسلوبُ في الغالبِ لا يُجْدِي معهم؛ لأنّ أمثالَ هؤلاءِ يرونَ أنّهم علَى صوابٍ ودين. فكيفَ تعظُ إنسانًا يظنُّ أنّه على الدّينِ الحقِّ قبلَ أن يتبيّنَ خطأه الفكريّ فيما يراه حقًّا. ولا يُعالجُ المصابُ بهذا المرضِ بالتركيزِ على التهديدِ والوعيدِ؛ لأنّ أمثالَ هؤلاءِ يرونَ أنّهم يتقرّبونَ إلى اللهِ بما يصيبُهم من الأذَى والنّكالِ، بلْ رأينا مَن يقدم على ما يضرُّه عالمًا بذلكَ بزعمِ طلبِ الأجرِ من اللهِ. فهذَا التّهديدُ والوعيدُ لا يزيدانه إلاَّ إقدامًا، فمثلُ هذه الأساليبِ تستنزفُ الكثيرَ من الجهدِ والوقتِ، وقد تكونُ ثمرتها محدودةً في العلاجِ».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة