Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

يا عيباه.. إيش يقولوا الناس عنّا؟!

لا أتصور أن أحداً منا لم يسمع يوماً هذه العبارة التي عنونت بها مقالي هذا والتي تعكس في الواقع حرصاً يصل إلى درجة الرعب من «كلام الناس» ورأي الجماعة فيما نقول ونفعل، حتى لو كنا في بعض الأحيان على قناعة

A A
لا أتصور أن أحداً منا لم يسمع يوماً هذه العبارة التي عنونت بها مقالي هذا والتي تعكس في الواقع حرصاً يصل إلى درجة الرعب من «كلام الناس» ورأي الجماعة فيما نقول ونفعل، حتى لو كنا في بعض الأحيان على قناعة تامة بذلك القول أو الفعل. وحقيقة الأمر أنه حتى أولئك الذين يزعمون دوماً أنهم لا يأبهون برأي الناس فإنهم يفعلون ذلك في أضيق نطاق ويبقى هاجس الخوف من رأي الجماعة داخلهم مسيطراً مهما بلغت درجة تمردهم أو ثقتهم بأنفسهم. الأسوأ من ذلك أن كثيراً منّا لا يجرؤون حتى على مجرد التفكير في هذا الأمر بسبب تغلغل فكرة قدسية «الجماعة» داخلهم وأنه لا ينبغي لهم حتى محاولة التقييم العقلاني والمنطقي لما دأبت الجماعة على اعتباره مقبولاً أو غير مقبول.
لاشك أن الحرص على تماسك الجماعة وسيادتها هو أمر إيجابي ومطلوب، ولكنه يصبح سلبياً وخطيراً عندما يصل إلى درجة التوقف عن إعمال العقل ورفض التمعن في البدائل (alternatives) واختبار الحقائق إرضاءً للمجموعة.
الباحث بجامعة ييل Irving Janis هو أكثر من كتب عن ظاهرة التفكير الجمعي (Groupthink) واصفاً إياها بأنها تحدث عندما تؤدي الرغبة الجامحة لدى المجموعة في تحقيق التطابق والتجانس بين أفرادها إلى العجز عن اتخاذ القرارات الصائبة نتيجة رفض قبول الآراء المخالفة والحلول المختلفة، وسيادة وهم الحصانة والسداد الدائم لرأي الجماعة. وقد أورد Irving عدداً من الأعراض الدالة على وجود «التفكير الجمعي» ومنها:
1) وهم التفوق والحصانة، 2) رفض النقاش حول مبادئ المجموعة وأخلاقياتها أو الاعتراض على نتائج قراراتها طالما أنها مبنية على تلك المبادىء، 3) تسفيه الآراء المعارضة لمبادئ الجماعة، وشيطنة المنتقدين والمعارضين، 4) زراعة الخوف والرقابة الذاتية (self-censorship) من أي أفكار مختلفة، 5) وهْم الإجماع (Unanimity) حيث يسود اعتقاد بأن الرأي هو رأي الجميع دون استثناء، واعتبار الصمت رضا وقبولاً، 6) اتهام أعضاء المجموعة المخالفين بعدم الولاء، 7) انتهاج أسلوب صناعة «القطيــع» وقيادته لحجب المعلومات المخالفة، وشيطنة المناوئين والسخرية منهم.
إن «التفكير الجمعي» رغم ما يحمله من إيجابيات وأفكار ملامسة للعواطف، إلا أن تغوله بالدرجة التي هو عليها اليوم يعتبر أحد الأسباب الرئيسية لتعثر القرارات، وغياب الإبداع، ومقاومة التغيير الإيجابي، وتحفيز التناقض والنفاق الاجتماعي، والإقصاء والطائفية، إضافة إلى انتشار ظاهرة «القطيع» الذي تسيره وتقوده رموز مصطنعة ذات مصالح وأهداف خاصة آخر همومها صالح المجتمع وتقدمه، و»التفكير الجمعي» بالنسبة لها هو أداة للقوة والتحكم يجب الحفاظ عليها مهما كان الثمن.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store