Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إلى رحمة الله.. عم علي مرضمه

نجران.. تلك المدينة التاريخية، التي تنتشر بها أشجار الأراك، يستقبلك أهلها بحفاوة كرنفال فرح وطيبة، تلمسه في حديثهم، تفوح منهم رائحة السلام، وتسكن فيهم.

A A
نجران.. تلك المدينة التاريخية، التي تنتشر بها أشجار الأراك، يستقبلك أهلها بحفاوة كرنفال فرح وطيبة، تلمسه في حديثهم، تفوح منهم رائحة السلام، وتسكن فيهم. استفزَّني أحدُ القرّاء بسؤال عن حادثة نجران، عندما استشهد عم علي أحمد آل مرضمة في التفجير الإرهابي الآثم، الذي وقع في أحد المساجد بنجران.. تمنيتُ لو أنَّ الأرضَ انشقَّت وبلعتني، قبل أن تسمع أذناي عن المجرم المغسول دماغه، وهو يلتحم جسده بجسد عم علي؛ لتفجير الحزام الناسف.. كان سؤال «القارئ الكريم»: هل ثمة في الدنيا إنسان بهذا الضلال؟! ماذا عنكم يا معشر الكُتَّاب، لم يعد أحد ينصت إلى حروفكم؟! كان يحدِّثني وأنا أعود بذاكرتي إلى مدينتي مكة، إلى ذهني كعادتي أن أجمع بعض الذكريات، وأربطها بما يجري في حياتنا اليومية.. عدتُ صوبَ بيتنا المكاويّ، حيث العطر الخالص حاضرًا في أوقات الحج، تذكرتُ والدي -رحمه الله- الذي زوَّدنا بالحروف السريّة «للرحمة والسلام»، واحترام المذاهب، والتعددية لضيوف بيت الله.. فلم نسال زائر بيت الرحمن عن مذهبه الأباضيّ، أو السنّيّ، أو الشيعيّ!
على الرغم من أن والدي تحت التراب، إلاَّ أنَّني ما زلتُ أجده حاضرًا في مثل هذا الألم، الذي نعتصر منه.. ما زلتُ أتذكّر وقوفه في مدخل البيت، يُسلّم على الحجَّاج، ويسألهم عن بلادهم، وأكلهم، ونهرهم، وبحرهم، وسمكهم.. لم يسأل يومًا أبدًا عن مذهبهم.. أو كيف يصلّون «بتسبيل اليد»، أو»كفة اليد».. تعلَّمنا منه دروسًا لا تُحصى، لم تستطع عشرات الكتب أن تمنحنا إيَّاها.. وها هو اليوم الوالد الجليل عم علي -رحمه الله- بموقفه يرسِّخ في الذاكرة درسًا عظيمًا، يتجاوز أطنان الكلام الذي يُقال على المنابر، والمقالات التي نتصبّح بها كل صباح، وتملأ الصحف، اليوم يا عم عليّ حفرت أخدودًا في ذاكرتنا، بدفاعك البطوليّ.. اليوم تعلَّمنا ملحمةً في حبِّ الوطن، والمواطن.. رحمك الله ياعم عليّ، وهبت عمرك من أجل هذا السحر العظيم، الذي يسمّونه «وطن».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store