Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ابن رشد وثقافة الانفتاح

في مقاله المعنون (الغزالي وثقافة الانغلاق، صحيفة الرياض 5 نوفمبر 2015) ناقش الدكتور إبراهيم المطرودي نهج أبي حامد الغزالي وموقفه من الفلسفة والعلوم والفلاسفة ودعوته إلى محاربة كتبهم وعدم قراءتها خوفاً

A A
في مقاله المعنون (الغزالي وثقافة الانغلاق، صحيفة الرياض 5 نوفمبر 2015) ناقش الدكتور إبراهيم المطرودي نهج أبي حامد الغزالي وموقفه من الفلسفة والعلوم والفلاسفة ودعوته إلى محاربة كتبهم وعدم قراءتها خوفاً على الناس من أفكارهم في ممارسة واضحة للوصاية على القرّاء، وكيف أن الغزالي نفسه وقع ضحية لما طرحه من فكر إقصائي حيث مورست على كتبه نفس ثقافة الإقصاء التي انتهجها مع الفلاسفة مما أدى إلى حرق كتبه بأمر من الحاكم المرابطي ابن تاشفين في قرطبة في القرن الثاني عشر الميلادي.
بعد قراءتي لمقال المطرودي العميق استحضرت نموذجاً مناقضاً لفكر الغزالي وهو فكر ابن رشد (1126-1198) الذي جاء بعد الغزالي بعقود قليلة. يمثّل نهج ابن رشد، المفكر العربي (فيلسوف قرطبة) الذي شكّلت مؤلفاته منطلقاً للحوار بين العلم (الفلسفة) والدين، ونقطة التقاء وحوار بين الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية ،وذلك من خلال تأثير فلسفته في الدراسات الغربية الوسيطة والحديثة، نموذجاً لثقافة الانفتاح على العلوم والفلسفة. وعلى النقيض من الغزالي، تبنى ابن رشد فلسفة الانفتاح على علوم الشرق والغرب حيث شرح أعمال الفلاسفة الغربيين والشرقيين ولقّب باسم «الشارح» وأدت شروحاته لأرسطو إلى تأسيس حركة فكرية غربية عرفت باسم الرشدية كان لها أكبر الأثر في استنهاض الفكر اللاهوتي المسيحي. كما أثرت مدرسة ابن رشد في الفلسفة تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين من أمثال ألبرت الكبير، والفلاسفة اليهود من أمثال موسى بن ميمون واسحاق البلاغ.
تبنى ابن رشد في موقفه الفلسفي الفكر الأرسطي تبنياً كاملاً بديلاً عن الفكر الأفلاطوني. وانتصر للأرسطوطالية في وجه حملات علماء الكلام المسلمين، لا سيما الأشاعرة. كما عرض لتصحيح التأويل الذي اختاره الفارابي وابن سينا لفلسفة أرسطو، ووضع الأسس للتوفيق بين الفلسفة والشريعة، كما شرح ابن رشد أعمال أرسطو وكتب تعليقات على جل فلسفته.
وبالرغم من أهمية ابن رشد وتأثيره في الفكر الفلسفي الأوروبي، كانت أعماله أقل أهمية وتأثيراً في العالم الإسلامي إبان العصور الوسطى منها في العالم المسيحي اللاتيني، حيث أن جل أعماله باللغة العربية لم يكتب لها الحياة، عدا أعماله في الفقه الإسلامي، وأحرقت الأعمال الفلسفية في نهاية حياته، بينما لم يتبق منها سوى ترجماتها اللاتينية والعبرية.
السؤال الذي يهمنا اليوم وبعد مضي ما يقارب من الألف عام على رحيل الغزالي وابن رشد، هو مدى استفادتنا من مناهجهما الفلسفية، هل تغير موقفنا من الفلسفة في العصر الحاضر؟ هل وضعنا حداً لمنهج الوصاية على الأفكار؟ وبالتحديد هل تعلمنا شيئاً من دروس التاريخ من أجل بلورة سقف معرفي جديد يتجاوز ما تركه الفلاسفة أمثال الغزالي وابن رشد وغيرهم؟ هل استطعنا البناء على ما قدمه السابقون دون الاستغراق في أزمات عصورهم البائدة؟ ذلك هو سر خروج الأمم من نفق الإنغلاق إلى فضاء الانفتاح الرحب بعيداً عن التعصب والحروب.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store