من مدينة قوانجو بالصين أكتب هذه المقالة وفاء بالتزامي بالكتابة اسبوعياً على هذه الصفحة. في الصين يصعب التحرك بدون مترجم ودليل يأخذ الزائر الى المكان الذي يقصده لأنهم فخورون بلغتهم ويتوقعون من الغير التكيف مع طريقة الحياة في بلدهم. وفي بحر الملايين المتحركة كدبيب النمل في هذا الفضاء الجغرافي الشاسع نادراً ما تجد أحداً يتكلم اللغة الانجليزية التي تعد لغة العولمة الكونية.
قبل سفري للصين كان لديَّ انطباع بانني ذاهب الى بلد متخلف في كل شيء وكنت على استعداد لصدمة تعيدني للوراء بدلاً من ان تأخذني فكرياً الى الأمام. وما هي الا سويعات بعد وصولي حتى شاهدت صورة مختلفة تماماً عن ما كنت أتصوره. عدد سكان مدينة قوانجو يناهز مائة مليون أي يعادل سكان مصر وأكبر من عدد سكان دول مجلس التعاون مجتمعة. البنية التحتية من شوارع وجسور وناطحات سحاب وحدائق تنطق بالجمال والجودة والنظافة وحسن التنظيم. هطول الامطار بكثرة ولكنها لا تشكل لهم أزمة كما حدث لجدة في الأسبوع الماضي لأننا لم نحسن التصرف ولان مشاريعنا تنفذ بطريقة مخجلة تكشف عورتها أقل رشة مطر.
الناس هنا مسالمون يتكدسون في عربات المترو الذي رأيته في قمة الجمال والروعة وكأنه افتتح قبل قدومي بلحظات ولا أحد يدفع أحداً ولا ينشل حقيبة أو جيباً أو يرفع صوته. الكل يأخذ مكانه بهدوء واحترام لخصوصية الآخرين.
وسائل السلامة متقنة وتعاليمها واضحة والاعلانات عن أسماء المحطات واضحة بلغتهم طبعاً. تقطع التذكرة قبل الصعود وتضعها على الجهاز ليفتح لك الحاجز عند الدخول والخروج ولا مجال للاحتيال لان النظام محكم بالأجهزة وكاميرات المراقبة في كل مكان. سألت صاحبي اين البوليس وكان رده الإشارة الى الكاميرات المنتشرة في كل مكان وزاد على ذلك بأنهم يراقبون كل صغيرة وكبيرة ويقبضون على المخالف في أسرع وقت ولذلك أصبح الكل يحافظ على النظام والابتعاد عن المخالفة لان العقاب صارم ولا مجال للرشوة أو الواسطة.
حجم المعارض التجارية يكاد يكون بحجم مدن الواحدة منها تتسع للملايين من الزوار في اللحظة الواحدة. المواطن يحتاج لتذكرة لدخول المعرض والأجنبي يرحب به بدون دفع ثمن التذكرة. سألت لماذا هذه التفرقة وكانت الاجابة من اجل تشجيع التصدير للخارج لان كل زائر أجنبي يأتي الى هنا ليشترى ويصدِّر بالعملة الصعبة.
الصين احتجبت عن العالم فترة طويلة وعندما رتبت أمورها وقررت الانفتاح فجَّرت طاقاتها الخلاقة للابداع والعمل الجاد، بداية بالانضباط واحترام النظام والتركيز على الدور الذي يخص المواطن. يصحب كل ذلك انضباط وتواضع في وسائل الحياة والسرعة في التجاوب والتكيف والاخلاص في العمل.
رؤية القيادة التركيز على التنمية الاقتصادية والأمن السياسي وفي العالم العربي عكس ذلك تماماً التخريب والفوضى السياسية.
التنمية الاقتصادية والأمن السياسي!
تاريخ النشر: 22 نوفمبر 2015 22:59 KSA
من مدينة قوانجو بالصين أكتب هذه المقالة وفاء بالتزامي بالكتابة اسبوعياً على هذه الصفحة.
A A