Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حتى الزُّهّاد لم يسلموا من الحُسّاد

كُلّنَا نَبحَث عَن الإبدَاع، ونُهيّئ لَه الأسبَاب -قَدْر المُستَطَاع-، ولَكنَّنا في زَحمة هَذا الانشِغَال؛ نَنسَى أنَّ مُعوّقات وحَواجِز التَّألُّق؛ قَد تَكون بدَاخلنا، قَبل أنْ تَكون في العَوامِل الخ

A A
كُلّنَا نَبحَث عَن الإبدَاع، ونُهيّئ لَه الأسبَاب -قَدْر المُستَطَاع-، ولَكنَّنا في زَحمة هَذا الانشِغَال؛ نَنسَى أنَّ مُعوّقات وحَواجِز التَّألُّق؛ قَد تَكون بدَاخلنا، قَبل أنْ تَكون في العَوامِل الخَارجيّة. وقَد كَتبتُ كِتَابة سَابِقَة حَول الحِقد، كعَائِق ومُعوِّق -عَلى اختلَاف النَّحويّين- للفَلَاح والصَّلَاح والنَّجَاح، واليَوم سأكتُب عَن مُثبّط آخَر للإبدَاع؛ وهو الحَسَد..!
في البِدَاية نُؤكِّد أنَّ الشَّريعَة الإسلَاميّة -بَل الشَّرائِع كُلُّها- تَنْهَى بشَكلٍ مُطلق عَن الحَسَد، وتَعتبره مِن أمرَاض النَّفْس، وتُؤكِّد أنَّ الحَسَد في الإنسَان؛ أكثَر خطُورة وفَتكًا مِن السّم الذي تَنفثه الحَيّة..!
في نَظري أنَّ الحَاسِد يُصنَّف ضِمن الأغبيَاء، لذَلك قَال أحَد الفَلَاسِفَة: (الحَسود كَريمٌ جَاهِل، لأنَّه يَهِبُ المَجْدَ لسوَاه وهو لَا يَدري)..!
ومِن دَلائل غَبَاء الحَاسِد وسَفَاهة تَصرُّفه، أنَّه لَا يَشتغل عَلى نَفسه ليُطوّرها، بَل يَشتغل عَلى مُتابعة الآخرين، وتَمنِّي زَوَال النِّعمَة عَنهم، وفي ذَلك يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (بَعض النَّاس يُنفقون أوقَاتهم؛ في حَسَد الآخرين عَلى نَجاحهم، فلا يَبقَى لَهم وَقتٌ؛ يَسعون بِهِ إلَى النَّجَاح).. ولله درّ حَكيم العَرب «أكثم الصيفي»، حِين قَال: (مَن حَسَدَ النَّاس بَدَأ بمَضرّة نَفسه)..!
إنَّ الحَسَد لَه قَسوة كقَسوة القَبْر -كَما يَقول الأديب «دانتي»-، ومِن غَير اللَّائِق أنْ نَصِف الحُبّ بأنَّه أَعمَى؛ ونَنْسَى الحَسَد، وفي ذَلك يَقول الفَيلسوف «لورانس داريل»: (لَيس الأعمَى هو الحُبّ، بَل الأعمَى هو الحَسَد)..!
وأَخيرًا، دَعونا نَعتَرف بأنَّ الحَسَد يُؤذي صَاحبه، ولا يُؤذي المَحسود أبدًا، بَل يُشعره بالتَّفوُّق، وفي ذَلك يَقول الفَيلسوف «هوراس والبول»: (الحَسَد هو اعترَافٌ مِنَّا بتَفوُّق الآخرين)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أنْ نُضيف وَصفة شِعريّة لعلَاج الحَسَد، مِن عيَادة حَكيم الشِّعر «أبوتمَّام»، حَيثُ يَقول:
اصْبِرْ عَلَى مَضَضِ الْحَسُودِ
فَإِنَّ صَـبْرَكَ قَاتِـلُهْ
فالنَّارُ تأَكُلُ بَعْضهَا
إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهْ!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store