Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

في الرد على سؤال الاختلاط

يبدو أن العلاقة بين هيئة الأمر بالمعروف والمؤسسات الثقافية تزداد توتراً يوماً بعد يوم، حتى أصبح الخوف سمة وهاجساً لدى الطرفين من بعضهما البعض. ولكلٍ في ذلك أسبابه ومبرراته.

A A
يبدو أن العلاقة بين هيئة الأمر بالمعروف والمؤسسات الثقافية تزداد توتراً يوماً بعد يوم، حتى أصبح الخوف سمة وهاجساً لدى الطرفين من بعضهما البعض. ولكلٍ في ذلك أسبابه ومبرراته. من أهم تلك الأسباب كما اتضح مؤخراً هو هاجس الاختلاط.
تأخذ معظم الإشكاليات بين الهيئة، أو بعضٍ من أفرادها، والمؤسسات الثقافية منحى دراماتيكياً، وتتضخم حتى تكون قضية رأي عام، يكون محورها شبهة «الاختلاط» التي يرى رجال الهيئة أنه يشكل خطراً يصل لأن يكون سبباً كافياً لاستنفار الجهود والرجال والأمن لاقتحام المؤسسات الثقافية وإيقاف نشاطها «المختلط»، كما حصل في حادثة اقتحام نادي الطائف الأدبي قبل أسبوعين بحجة إقامة أمسية شعرية مختلطة.
ورغم أن الأمسية هي أمسية ثقافية عامة مفتوحة الحضور وعلى مرأى ومسمع الملأ، إلا أن فوبيا الاختلاط وضرورة منعه تحت أي ظروف جعلت بعض رجال الهيئة يتسابقون للدخول للنادي وملاحقة المسؤولين عن تلك الأمسية بل والتهجم عليهم وشتمهم.
انتهت تلك الأمسية بسلام، ولكن لم ينتهِ الجدل حول الحدث وتداعياته. كان من أكثر ما تداوله الإعلام حول الحادثة هو رد مسؤولي النادي الديبلوماسي والقوي حول شبهة الاختلاط، حيث تم نفي الاختلاط في الفعالية جملة وتفصيلاً، وأن الفعالية قد أقيمت في قاعتين منفصلتين واحدة للرجال والأخرى للنساء بمدخلين منفصلين. وللأمانة فهذا الإجراء هو المتبع في جميع فعاليات الأندية الأدبية حسب معرفتي ومعايشتي للواقع.
إلا أن ما يستدعي التأمل على المدى البعيد هو اضطرار المسؤولين في النادي وسعيهم بما أوتوا من قوة لنفي تهمة الاختلاط. إن مجرد نفي تهمة «الاختلاط» والذي أضحى محور الحدث وموضوع القضية الشائكة، يجعل منه «تهمة» تستحق النفي وتقديم الأدلة لنفيها والتبرؤ منها من قبل النادي، وتجعل منه «تهمة» تستحق الملاحقة من قبل الهيئة، فيثبت هذا المفهوم أكثر فأكثر لدى المجتمع دون أن يدري. ولكن الواقع يقول إنه لا يوجد في النظام حسب علمي أي نص قانوني يشير إلى أن الاختلاط جريمة تتطلب عقاباً مدنياً أو جنائياً. فمن أين رسخت هذه التهمة في أنظار الهيئة والنادي؟
سؤال يستحق البحث والإجابة حتى لا تتكرر مثل تلك الأحداث المؤسفة، وعلينا أن نقر ونقبل أولاً بأن الاختلاط ليس «تهمة» أو جريمة يعاقب عليها القانون. ونحن في غنى عن القول بأن الاختلاط أمر واقع ومتعين بشكل إنساني طبيعي أمام أبصارنا أينما توجهنا في الأسواق والمستشفيات، وفي المرافق العامة وفي الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
خلاصة الأمر هي أن الاختلاط في المؤسسات الثقافية باعتبارها منابر عامة ليس تهمة ولا خطأ يستوجب الاعتذار أو تقديم الأدلة لنفيه. والخوف يكمن في الذهنية التي نسجت أوهاماً حول هذا المفهوم حتى ألبس رداء الحرمة وعلقوا على أستاره تهمة الممنوع الذي يستحق الملاحقة والتعدي. الاختلاط ليس تهمة أو جريمة بنصٍ قانوني، فلا تعتذروا ولا تبرروا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store