Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تبرير التأجيل بعبارة «حسب التساهيل»

مَن يُتابع تَعاملات النَّاس، أو لِنَقُل أعذَارهم وحِيَلهم، يَجد أنَّهم يَحتمون بالنّصوص الشَّرعيّة، ويَستخدمونها في غَير مَواضعها، حتَّى يُنزِّهوا أَنفسهم عَن الخَطأ، ويُبعدوهَا عَن مَنَاطِق العِتَاب

A A
مَن يُتابع تَعاملات النَّاس، أو لِنَقُل أعذَارهم وحِيَلهم، يَجد أنَّهم يَحتمون بالنّصوص الشَّرعيّة، ويَستخدمونها في غَير مَواضعها، حتَّى يُنزِّهوا أَنفسهم عَن الخَطأ، ويُبعدوهَا عَن مَنَاطِق العِتَاب واللَّوم..!
أَعرف أنَّ هَذا الكَلام قَد يَكون غَامضاً للبَعض، لذَلك لَابدّ مِن الاستِشْهَاد بمِثَالٍ أو أَكثَر، حتَّى يَنكشف الخَطأ، ويَتّضح الصَّواب، ونَظرًا لحَسَاسية النَّاس مِن الأمثِلَة، سأضرب المَثَل بنَفْسِي الغَنيّة بالله عمَّا سوَاه:
ذَات يَوم احتَجتُ أنْ أَنقل عَفش مَنزلي؛ مِن المَدينة المُنيرة –عَلى سَاكن ثرَاها الصَّلاة والسَّلام- إلى جُـدَّة القَديرة -عَلى سَاكنيها شَآبيب الرَّحمة- فاتّفقتُ مَع صَاحب سيّارة نَقل «دينّا»؛ للقِيَام بهَذه المُهمّة، مُقابل 1000 ريَال، وقَبل تَحرُّك السيّارة مِن المَدينة إلَى جُـدَّة، سَألته قَائلًا: «مَتَى تَتوقَّع وصُولك إلَى جُـدَّة؛ حتَّى أنتظَرك هُنَاك»؟ فقَال لِي: «حَسَب التَّسَاهيل -إن شاء الله- يَا عَمّ أحمَد»..!
لَم أَهضم الإجَابَة التي تُعطيني مَوعدًا هُلاميًا، ومَرّت بَيننا دَقيقتَان مِن الصَّمت، حِينَها سَألني: «مَتَى ستَدفع لِي المَبلغ»؟، فابتَسمتُ ابتسَامَة عَرفجيّة خَبيثَة، وقُلت لَه: «بالتَّأكيد حَسَب التَّسَاهيل -إن شاء الله- يَا عَمّ فَرغلي»، فقَال لِي: «كَيف ذَلك يَا عَمّ أحمَد»؟ فقُلت لَه: «إجَابَة بإجَابَة والبَادئ أظلَم»، فاستنكَر إجَابتي قَائلاً: «ولَكن أنتَ تَعلَم أنَّ الطَّريق مَليءٌ بالمَخَاطِر»، فلَم أَتحمَّل كَلامه، لِذَا قُلت لَه: «وأنتَ تَعلَم –أيضاً- أنَّ الفلُوس قَد تُسرق منِّي في أَي لَحظة»، وبَعد هَذه المَعركة الحَامية، أخبَرني رَغم أَنفه؛ بأنَّه سيَكون غَداً في جُـدَّة، السَّاعة التَّاسعة لَيلاً..!
بَعد هَذه القصّة أَقول: إنَّ الاحتِمَاء بالنَّصّ الشَّرعي ظَاهرة مُستشرية، فمَثلاً تَجد أَحدهم لَا يَقوم بوَاجبه، ولا يُذاكر درُوسه، وإذَا سَألته: لِمَاذا يَفعل ذَلك؟ قَال: «أنَا عَملت اللي عَليّ، والبَاقي مِن عِند الله»..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي التَّأكيد عَلَى أنَّ مَن أَخَذَ الأَجر؛ حَاسَبه الله عَلى العَمل، ومِن العَجَب أنَّك تُسدّد الفَاتورة في جِهةٍ مِن الجِهَات الخَدميّة، ثُمَّ تَسأل المُوظَّف: مَتَى ستُعيدون الخِدمَة لِي؟ فيَردُّ عَليك قَائلا: «-إن شاء الله- حَسَب التَّسَاهيل»..!!!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store