Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

صنَّاع الحياة

لم يأتوا من كوكب آخر، ولم تتنزَّل عليهم الملائكة لتوحي إليهم بما لا يدركه البشر، ولم يُخلقوا من مادة أخرى غير التي خُلق منها الآدميون، ولم تتلبسهم الشياطين حتى يأتوا بالخوارق.

A A
لم يأتوا من كوكب آخر، ولم تتنزَّل عليهم الملائكة لتوحي إليهم بما لا يدركه البشر، ولم يُخلقوا من مادة أخرى غير التي خُلق منها الآدميون، ولم تتلبسهم الشياطين حتى يأتوا بالخوارق. هم بشر مثلنا، غير أن لهم قلوبًا ملئت شفقةً ورحمة، وأنفسًا شُحِنت عزيمةً وهمة، وعقولاً أُترِعت ذكاءً وفطنة. أولئك هم الأطباء، رُسُلُ الرحمة، باعثو الفرح، صنَّاع الحياة، الذين كانوا ولا يزالون - بعد فضل الله ورحمته- هم من يعيد الحياة، ويرسم البسمة، ويبعث الفرح، ويخفف الألم، ويطرد السقم. الأطباء منذ الأزل هم الرحمة المهداة من الله لعباده المرضى والمكلومين والأشقياء؛ وُجدوا ليخرجوا المرضى مما هم فيه من حالٍ أليمةٍ وسَقَم إلى حالٍ أفضل وأمثل وأصح. ارتبط الأطباء لدى البعض بالقسوة والجرأة وعدم الرهبة، ارتبطوا بالمشرط الحاد، والدماء النازفة، والإبر المؤلمة، والعمليات الجراحية العميقة، ومع كل هذه القسوة وكل تلك الأدوات والعمليات يمكن للعقلاء الحصيفين - والمرضى على وجه أخص- أن ينظروا إليها على أنها وسائل إنقاذ تحمل مع حدَّتها وألمها الشفاءَ والأمل، وأن الأطباء الذين يستخدمون هذه الوسائل ما هم إلا رسل رحمة يعملون –وإن قسَوا أحيانًا- على إلباس المريض لباس العافية بكل ما أوتوا من علم وبصيرة وخبرة ودراية. ولولا أن مهنة الطب مهنة شريفة وذات منزلة سامية لما وجدناها مورست - وإن بشكل مبسط- منذ القِدم، حتى أن العرب والمسلمين اهتموا بها، فبرز منهم أطباء كُثُر شهد تاريخ الطب بعبقريتهم ونجابتهم وتفوقهم في مهنتهم الشاقة المصحوبة بالخطر، ومن أولئك الأعلام في مجال الطب يبرز لنا الطبيب (ابن النفيس) مكتشف الدورة الدموية، والطبيب (الرازي) والعالِم (ابن سينا) وكذلك (ابن زُهر وابن البيطار) وغيرهم من الأطباء العرب والمسلمين الذين امتهنوا هذه المهنة وبرعوا فيها حتى أصبحت تجاربهم وأدواتهم وأدويتهم ومؤلفاتهم مراجع في الطب الحديث. ما يمارسه الأطباء في مستشفياتهم يندرج تحت قوله تعالى: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا» وهم بهذا يوصلون رسالة قيمة إلى (أعداء الحياة) الذين امتهنوا عمليات القتل والإبادة وإزهاق الأنفس في لباس الإرهاب، بعضهم تحت شعار المذهبية، وبعضهم تحت الحميَّة والعصبية القبلية، وبعضهم في نفاق السياسة والمصالح الدولية. وهي دعوة توجه لأعداء الحياة أنفسهم ليزوروا هؤلاء الأطباء في مستشفياتهم ويشاهدوا حجم الجهد الذي يبذلونه لمساعدة المرضى، ويستشعروا قيمة الرسالة التي يؤديها هؤلاء الأطباء ومساعدوهم، ويشعروا بألم المعاناة للمرضى، علَّهم أن يفيقوا من غفلتهم وينضموا لركب العاملين على صناعة الحياة بأي شكل. الأطباء جميعهم ومساعدوهم جديرون بكل مكرمة؛ جديرون بأن تُذلَّل أمامهم الصعاب، ويُوفَّوا حقوقهم كاملة ليستطيعوا ممارسة مهامهم الإنسانية العظيمة في نفع البشرية والتخفيف من أوجاعها.
Mashr-26@hotmail.com
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store