Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

النصيب الوافر للصياد الماهر

الأفكَار تَمرُّ في ذِهن الإنسَان؛ كَمَا تَمرُّ الأسمَاك أَمَام صَاحب الصِّنّارة، وإذَا لَم يَستثمر صَائد الفِكرة مُوسم الأفكَار، فإنَّها ستَذهب إلَى غَيره، وكَم أَقف تَقديرًا واحترَامًا لشَيخنا الإ

A A

الأفكَار تَمرُّ في ذِهن الإنسَان؛ كَمَا تَمرُّ الأسمَاك أَمَام صَاحب الصِّنّارة، وإذَا لَم يَستثمر صَائد الفِكرة مُوسم الأفكَار، فإنَّها ستَذهب إلَى غَيره، وكَم أَقف تَقديرًا واحترَامًا لشَيخنا الإمَام «الجوزي»، حِين التَفَتَ إلَى هَذا المَعْنَى الخَفي، وألّف كِتَابه «صيد الخاطر»، كَاشِفًا في المُقدِّمة أنَّ مَادة الكِتَاب حَصيلَة أفكَار؛ اصطَادَهَا حِين مَرّت فَوق مَجاله الجَوّي..!
وبَعد الإمَام «الجوزي» بمِئات السِّنين، حَاول الكَاتِب الجَميل؛ والأَديب الأَنيق «أحمد أمين»؛ الاقتدَاء بنِظَام «الجوزي» الكِتَابي، فأصدَر كِتَابًا بعنوَان «فَيض الخَاطِر»، وكُنتُ أنَا المُرشّح المِثَالي لإكمَال مُثلّث «جَبْر الخَوَاطِر»، وبَدأتُ فِعلاً بتَأليف كِتَاب بعنوَان «عَفو الخَاطِر»، لَكنَّني صَرفتُ النَّظر عَن الأَمر، ومَزّقت الأورَاق، حِين سَمعتُ شَيخي الجَليل «علي الطنطاوي»؛ يَسخر مِن اقتدَاء الأديب «أحمد أمين» بالإمَام «الجوزي»، وَاصِفًا الفَرق بين كِتَابيْ «صَيد الخَاطِر»، و»فَيض الخَاطِر»؛ بأنَّه كالفَرق بَين الثّرى والثُّريا..!
إنَّ الأفكَار هي مَادة العِلْم، وهي مَادة المَقَال، وهي مَادَة الرّواية، وقَد بَيّن طَريقة التَّعامُل مَع الأفكَار، شَيخنا الكَاتِب القَدير، صَاحب القَلَم الغَزير، «أبوغيث -عبدالله باجبير-»، حِين قَال: (الفِكرة هي المَادة الخَام، التي يُعِدُّ مِنها الكَاتِب وَجبته الثَّقَافيّة للقُرّاء، بَعد ذَلك تَأتي مَرحلة الطّهو، أو الطَّهي، ولابدّ أنْ تَنضج الفِكرة لتَكون مُمتعة، فالكَاتِب محتَاج إلَى رَشّ الصَّلصَة، ونَثر البُهَارَات، وكَثير مِن الأفكَار تَحتَاج إلَى وَقتٍ لتَنضج، تَمامًا كبَعض أنوَاع اللّحم والخُضَار. إذَا لَم تَأخذ وَقتها، خَرَجَت نَيّئة، أو عَسيرة الهَضم، أو نَاقصة النُّمو، كالجَنين المُشوّه. لهَذا شَبّهوا الكِتَابة أحيَانًا بعَمليّة الولَادَة، فبَعض الأطفَال يُولَدون كَاملي النّموّ، وبَعضهم يُولَدون ولَادَة طَبيعيّة، وبَعضهم يُولَدون بعَمليّة قَيصريّة، وكَذَلك الأفكَار)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أنْ نَختم هَذه الكِتَابة بعِبَارة؛ تَختَصر كُلّ مَا كَتبنَاه في الأعلَى، حَيثُ يَقول الأستَاذ «باجبير»: (الفِكرة كالزّوجة تَستولي عَليك، فلَا تَتركك إلَّا إذَا كَتبتها أو طَلّقتها).. لَكنّ أُبشِّرك يَا «أبَا غيث»؛ أنَّ شَيخنا «أبا سفيان العَاصي» لَا يَعتبر ذَلك طَلاقًا، بَل انطلَاقًا للعُزّاب الأحرَار، ليَتمتَّعوا بمُغَازلة أحلَى وأشهَى وأجمَل؛ «بَنَات الأفكَار»..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store