Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جدة مدينة معتقة بنكهة البحر وعبق التاريخ

قضيت ثلاثة أسابيع ثرية في البحرين أتاح لي استقراري النسبي فيها بعضاً من الوقت للحنين لمدينتي جدة العروس بعيداً عن الطقوس وطاحونة الروتين اليومي الحارق.

A A
قضيت ثلاثة أسابيع ثرية في البحرين أتاح لي استقراري النسبي فيها بعضاً من الوقت للحنين لمدينتي جدة العروس بعيداً عن الطقوس وطاحونة الروتين اليومي الحارق. ورغم ذلك الاستقرار والحياة الثقافية الثرية والأهل والأصدقاء الرائعين في مملكة البحرين إلا أن إحساساً غامضاّ كان يجتاحني بين الحين والآخر لا ليذكرني بقسوة الحياة في جدة ولا لتحديات المعيشة هناك من مواصلات مربكة وحرارة مرتفعة مقترنة برطوبة عالية وإيقاع متسارع لنبض جدة ليل نهار ولكن ليكشف لي وجوهاً لم أعهدها في جدة وأنا التي استوطنتها منذ ثلاثين عاماً.
حاولت مخاتلة تلك الوجوه واستحضار تحديات العيش في جدة، لكن ملامح الوجه الحسن بدأت تزداد وضوحاً . وكلما أوغلت في البعد اقترب من القلب صوت جدة الصاخب. هي نكهة جدة تأتيك متسللة مع أمواج البحر. هو عبق أحياء جدة الممتدة شمالاً الباذخة غرباً.. من أقصى الجنوب وعيون الأطفال الحيارى في الأزقة المكتظة بالبشر إلى أقصى الشمال حيث تتسع الطرقات لتعرج بك نحو السماء وتصافحك قلوب المحبين تختال زهواً على شواطئها. من البلد في جدة القديمة وحارة البحر ودكاكين الباعة على الطرقات في الجنوب وحتى أعالي مباني الشمال وأبراجها الشاهقة شريط من الذكريات يضم صوت الأصدقاء واللقاءات الثقافية الفنية في نادي جدة الأدبي وجمعية الثقافة والفنون وحارات البلد في شارع قابل ومقاهي سوق الندى والخاسكية والهنداوية.
اليوم أجد سلطان جدة وسحر أهلها يطل مصافحاً روحي المبعثرة بين مدن العالم وطرقاته. كلما أوغلت في تضاريس جدة أطل عليك تاريخها الذي لم تنجح المدنية في إخفاء قسماته الصارخة رغم الندوبات الطارئة. وكلما ابتعدت عنها شدتك بيوتها القديمة وأبوابها المفتوحة على الثقافات. كل بيت يحكي قصة وكل باب يمثل لوحة فنية تحفر شريط الذكريات الفردية والجمعية.
هل كان ذلك مجرد نوستالجية مؤقتة لليالي العروس الحالمة وصباحاتها الدافئة؟ بالتأكيد إنه الحنين لكل زاوية جداويّة محمّلة بعبق التاريخ ولكل باب معتّق بالضنى. لكن الحاضر يبدو أكثر إلحاحاً على الجمال. ها أنا أعود والعروس تتزين لتشرع باباً جديداً للثقافة أوصد بعض الوقت. إنها أبواب معرض جدة للكتاب تفتح ذراعيها لتكمل الحكاية. حكاية جدة المشرعة على التراث والأدب والثقافة والتعددية. لن أستغرب بعد اليوم من همس البعض:
«أنت جداوية أكيد» !
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store