يَعتَقدُ البَعضُ أنَّ الحُبَّ هو الرَّابطُ الذي يَجمعُ النَّاسَ، والعِقْدُ الذي يَنتظمُونَ فِيهِ، ومَا عَلِمُوا أنَّهُم في ذَلك مِن الوَاهِمِينَ، لأنَّ مَا يَربطُ النَّاسَ -بحَقٍّ وحَقيقٍ وبشَكلٍ عَميقٍ- هو الأَسَى، وحَفلةُ المَصَائِب، والعَذَابِ الذي يَحلُّ بالجَميعِ، وخَيرُ مِثَالٍ عَلى ذَلك: المُعَانَاةُ والمَأسَاةُ التي يَعيشُها الشَّعبُ السّوريُّ -فَكَّ اللهُ أَسرَه-، حَيثُ وَحَّدَ العَالَمَ، وأجمَعَ النَّاسُ عَلى إنسَانيّةِ تِلكَ المُصيبَةِ، وكَأنَّ «أحمد شوقي» كَانَ يَصفُهَا حِينَ قَالَ: «إنَّ المَصَائِبَ يَجْمَعَن المُصَابِينَا»..!
أكثَر مِن ذَلك، يَقولُ الشَّاعرُ «عمر بن أبي ربيعة»:
وذُو الشَّوْقِ القَديمِ وإِنْ تَعَزّى
مَشُوقٌ حِينَ يَلْقَى العَاشِقينَا
إنَّ الجِرَاحَ تَتشَابَهُ أكثَر مِن الأفرَاحِ، لذَلكَ تَجِد العَلَاقَة بَين المَرضَى في المُستشفَى؛ أكثَر حَميميَّةً مِن عَلَاقاتِ العُشَّاقِ؛ في الحَدَائِقِ والشَّواطِئ، أو عَلَاقَاتِ النِّسَاءِ ببَعضهنَّ دَاخلَ صَالَاتِ الأفرَاحِ..!
وإذَا كَان المَثَلُ يَقولُ: «الطّيورُ عَلى أشكَالِهَا تَقَعُ»، فلنُصحَّح المَثَلَ ونَقولُ: «الأوجَاعُ عَلَى أشكَالِهَا تَقَعُ»..!
وقَد صَاغَ هَذا المَفهومَ بعِبَارةٍ رَقيقةٍ، مُهذَّبَةٍ رَشيقَةٍ، الأديبُ والرِّوَائيُّ الكَبيرُ «نجيب محفوظ»، حَيثُ يَقولُ: (لَا يُقرِّبُ بَينَ النَّاسِ مِثلُ العَذَابِ المُشتَرَكِ)..!
يَقولُ أَحَدُ الفَلَاسِفَةِ: إنَّ «السُّعدَاءَ يَتشَابهُونَ، أمَّا التُّعسَاءُ فكُلُّ لَه طَريقتُهُ الخَاصَّةُ في التَّعَاسَةِ».. وليَسمَح هَذا الفَيلسوف؛ لفَيلسوفٍ صَغيرٍ مِثلي أنْ يَختلفَ مَعه، وأَقولُ: إنَّ التُّعسَاءَ هم الذينَ يَتشَابهُونَ، لذَلكَ تَجدهم دَائمًا مَحشُورِينَ في خَانَةٍ وَاحِدَةٍ، يَتشَاكُونَ الهَمَّ ويَندبُونَ الحَظَّ، بَينمَا السُّعدَاءُ يَنطلقُونَ في كُلِّ الاتِّجَاهَاتِ، يَتبَاشرُونَ بالأَمَلَ جَمَاعَاتٍ وفُرَادَى..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقِي؟!
بَقِي أنْ نُؤكِّدَ أنَّ المَصَائِبَ تَجمَعُ النَّاسَ، لِذَلكَ فلنَستغلّ اجتمَاعَهم لنَنشُرَ الأَمَلَ، ونَنقلَهم مِن خَانةِ الكَآبةِ والإحبَاطِ، إلَى عَالَمِ السَّعَادَةِ والتَّفاؤلِ والجَمَالِ..!!
أوجاع المصابين تتشابه في المضامين
تاريخ النشر: 15 ديسمبر 2015 00:13 KSA
يَعتَقدُ البَعضُ أنَّ الحُبَّ هو الرَّابطُ الذي يَجمعُ النَّاسَ، والعِقْدُ الذي يَنتظمُونَ فِيهِ، ومَا عَلِمُوا أنَّهُم في ذَلك مِن الوَاهِمِينَ، لأنَّ مَا يَربطُ النَّاسَ -بحَقٍّ وحَقيقٍ وبشَكلٍ عَمي
A A