Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بوتين.. (كسباروف) الشطرنج السياسي!

لا أتصوّر أن هناك علاقة تربط بين «غاري كسباروف» لاعب الشطرنج الروسي الشهير -وبطل العالم الثالث عشر في الشطرنج، والذي يعدّه الخبراء أعظم لاعب شطرنج في التاريخ- وبين الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، المح

A A
لا أتصوّر أن هناك علاقة تربط بين «غاري كسباروف» لاعب الشطرنج الروسي الشهير -وبطل العالم الثالث عشر في الشطرنج، والذي يعدّه الخبراء أعظم لاعب شطرنج في التاريخ- وبين الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، المحترف في الشطرنج السياسي، لماذا؟ الجواب هو لأن كاسباروف يُعدُّ من ألد أعداء «بوتين»، ومن بين أبرز معارضيه، ولو كانت بينهما علاقة. لقُلتُ: إن كاسباروف درَّب بوتين على كيفية وضع البيادق، وتحريكها بمهارة في رقعة الشطرنج السياسي، حيث أجاد «بوتين» لعب الدور تمامًا، بعد أن نصَّب نفسه «وزيرًا» -حسب ما تقتضيه قواعد لعبة الشطرنج- يتحرّك طولاً وعرضًا في الساحة، مدافعًا عن «ملكه» رئيس النظام السوري.
لقد فرّ «كاسباروف» بجلده باتجاه الغرب، بعدما أدرك أن «بوتين» لا يترك مُعارضيه أحياء، وبعد أن شهد اغتيال «الكسندر ليتفينينكو» ضابط المخابرات السابق بالسمِّ في لندن عام ٢٠٠٦ لنقده إيّاه بالتفرّد بالسلطة، واغتيال «بوريس نيمتسوف» النائب السابق لرئيس الوزراء الروسي الأسبق (بوريس يلتسن) على أحد الجسور القريبة من الساحة الحمراء والكرملين؛ بسبب خلافه معه على غزوه شبه جزيرة القرم.
«بوتين» أوضح للجميع أنه صاحب القرار الأوّل والأخير، وأن على مجلس الدوما أن يقرَّ -طائعًا- بالموافقة على كلِّ ما يُقرّره ويراه هو فقط، ووصل به الحدّ إلى أن يُملي أوامره حتى على حلفائه في إيران، والعراق، وسوريا، فيأتمرون بأمره، ويُطبِّقون ما يُمليه عليهم من سياسات، ويُناصبون العداء لكل من يُعاديه.
من حسن طالع «بوتين» أنّه لحق بعهد «أوباما» كرئيس للولايات المتحدة، ولم يلحق بعهد الرؤساء «كينيدي، أو ريغان، أو حتى بوش»، وإلاَّ ما كان له أن يجرؤ على اجتياز البحر الأسود، فضلاً عن فرض واقع وجود قواته في سوريا، لكن ذكاؤه وحكمته، وكذلك فراسته، أوحت له أن هذه هي فرصته في وجود رئيس أمريكي مُتردِّد، تنقصه الجرأة، رآه كيف كان خصمًا لجورج بوش، منتقدًا لسياساته بشأن العراق، قاد أول تجمُّع عالي المستوى في شيكاغو لمناهضة الحرب على العراق، ووعد ناخبيه أنه سوف يعمل على إجراء تخفيضات في الميزانية في حدود عشرات المليارات، ووقف الاستثمار في أنظمة الدفاع الصاروخية، ووقف نشر التسليح في الفضاء، وسحب الجيش الأمريكي من أفغانستان، والعراق، الأمر الذي جعل «بوتين» يتحلَّى بالشجاعة، ويُقدِم على نشر قواته في سوريا، وينتقد سياسة الولايات المتحدة في خطابه الذي ألقاه في مدينة سوتشي، ويتّهمها بأنها تمارس لعبة مزدوجة، تتصدَّى للإرهابيين، وفي الوقت نفسه تحاول الاستفادة من قسم منهم لدفع بيادقه خدمة لمصالحها في الشرق الأوسط.
ليس أمام الولايات المتحدة إلاَّ أن تهادن الرئيس «بوتين»، الذي يقف على أرض صلبة في سوريا، أشبه بانتحاري يرتدي حزامًا ناسفًا، لا يُمكن الاقتراب منه إلاَّ عبر تفكيك حزامه الناسف، وذلك لن يتم إلاَّ بواسطة التنازلات عن كل ما من شأنه أن يُقصي الأسد عن حكم سوريا. تلك هي نتيحة التأخر في اتخاذ القرار.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store