Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أيضا جعلوني متسوِّلا..!

قابَلْته قبل أيام عند إحدى الإشارات المرورية، ترك عَمَلَه، وأصبح يَتجَوَّل بين المركبات مُتَسَوِّلاً بطريقة أو أخرى، اقترب منّي، ابتسمتُ بوجهه، سألته بلُطفٍ: لماذا تَفعل ذلك يا صديقي؟!

A A
قابَلْته قبل أيام عند إحدى الإشارات المرورية، ترك عَمَلَه، وأصبح يَتجَوَّل بين المركبات مُتَسَوِّلاً بطريقة أو أخرى، اقترب منّي، ابتسمتُ بوجهه، سألته بلُطفٍ: لماذا تَفعل ذلك يا صديقي؟!
أطرق خجلاً، نَطَق بكلمات تُصاحبها دَمَعَاتٌ سقطت فجأةً على وَجْنَتَيْه، خَرَجت كلماته مكسورةً حزينةً، (عَرَبِيّتُهَا) تقول: ماذا تريدني أن أصنع؟! فرغم أنَّ راتبي الشهري لا يتجاوز (500 ريال)، إلاَّ أنّي محروم منه منذ خمسة أشهر!!
مِن أين أسُدُّ رمقي؟! كيف أَصْرِفُ على أسرتي هناك في بَلَدي؟! لقد أتيتُ إلى هنا بحثًا عن الحُلم؛ لكنَّني وجدتُ الجوعَ والألَمَ؛ فحتّى أعيش إمَّا أن أتَسَوَّل أو أسْرِق؛ فاخترت الأولى!
انصرف بعيدًا هناك، ولِسان حَاله، لا تناقشني، ولكن أسأل مَن (جَعَلوني مُتَسَوِّلاً)!!
وهنا أعتذرُ منك يا صديقي (عَامِل النّظَافَة) عن سؤالي الذي نَكأ جرحك، وسكَبَ دمعك، ثم أجزم أنَّ أَلَمَ ذلك الرجل يُعَاني منه أمثاله من تلك الفئة الغالية التي تخدم وطننا!!
فلماذا غَابت حقوقهم عن أنظمة العمل؟ هل لأنّهم مساكين لا صوت لهم؟! ولماذا سَقطوا من حسابات لِجَان وجمعيات حقوق الإنسان؟ أليسوا بَشرًا من حقِّهم الحياة الكريمة، بناءً على عقودهم؟!
تلك الأسئلة سبق وأن طُرِحَت في هذه الزاوية، قبل سنوات، ولكن إجابتها يبدو لم تحضر حتى اليوم؛ فمازالت حقوقُ أولئك المساكين غائبةً، وما زال بعضُهم يتسوَّل بين المركبات، أيضًا حكايات امتناعهم عن العمل لعدم استلامهم رواتب، تتكرّر في عدة مناطق ومحافظات، آخرها ما حَدث في (محافظة عُنَيْزة) قبل أيام!!
فمتى تقوم الجهات ذات العلاقة -حكومية كانت، أو مدنية- بصناعة بيئة عَمَل صحية ومناسبة لأولئك الأبرياء؛ تضمن لهم ساعات عَمَلٍ عادلة، ورواتب مجزية، تُلْزَمُ بها المؤسسات عند التعاقد، والأهَم وضع آلية إلكترونية تضمن استلامهم لحقوقهم بانتظام؟!
وأخيرًا.. لماذا لا تقوم بمهام (النظافة) في كافة المناطق شركة وطنية مساهمة من المواطنين، وبإشراف حكوميّ حتّى نضمن الجودة، واستخدام التقنية، وإعطاء العاملين حقوقهم؟.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store