Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إعلان البراءة مِن المفرّطين في القراءة

لَا تَعتقدوا أنَّ أحلَام الإنسَان وتَطلُّعاته؛ صَعبة التَّحقيق، خَاصَّة إذَا كَان الإنسَان قَنوعًا، ولَيس لَه مِن المَطامِع في هَذه الدُّنيا؛ إلاَّ الاغترَاف مِن مَعين المَعرفة، والشُّرب مِن بَحر ا

A A

لَا تَعتقدوا أنَّ أحلَام الإنسَان وتَطلُّعاته؛ صَعبة التَّحقيق، خَاصَّة إذَا كَان الإنسَان قَنوعًا، ولَيس لَه مِن المَطامِع في هَذه الدُّنيا؛ إلاَّ الاغترَاف مِن مَعين المَعرفة، والشُّرب مِن بَحر العِلْم، الذي لَا يَجف ولَا يَنضب، ولَا يَكلُّ ولَا يَتعَب..!
سُئل شَيخُنا «عبَّاس مَحمود العقّاد»: «لِمَاذَا تَقرأ كَثيرًا»، فقَال: (لَستُ أَهوَى القِرَاءَة لأَكتُب، ولَا أَهوَى القِرَاءَة لازدَاد عُمرًا في تَقدير الحِسَاب، وإنَّما أَهوَى القِرَاءَة لأنَّ عِندي حَيَاة وَاحِدَة في هَذه الدُّنيَا، وحَيَاة وَاحِدَة لَا تَكفيني، ولَا تُحرِّك كُلّ مَا فِي ضَميري مِن بَواعِث الحَركَة. والقِرَاءَة دُون غَيرهَا، هي التي تُعطيني أكثَر مِن حَيَاةٍ وَاحِدَة، في مَدَى عُمر الإنسَان الوَاحِد، لأنَّها تزيد هَذه الحَيَاة مِن نَاحية العُمق، وإنْ كَانت لَا تُطيلها بمَقادير الحِسّ)..!
إنَّ الأحلَام قَد تَكون سَهلَة، ولَكنَّها «صَعبة قَويّة» عِند التَّحقيق، خَاصَّة إذَا كَانت تَتعلّق بالقِرَاءة والثَّقَافَة، والسَّبَب فَقط -كَما هي عِبَارة المَثَل اللَّاتِيني- أنَّ (العِلْم طَويل والعُمر قَصير)، ورَغبة الارتشَاف مِن العِلم الطَّويل في العُمر القَصير إشكَالية؛ عَانَى مِنها كَثيرون، وقَد لَمسهَا أُستَاذنا الكَبير «أنيس منصور» بكُلِّ ذَكَاء، حَيثُ قَال: (سُئلتُ في التّلفزيون المِصري لِيلة رَأس السَّنَة عَن طمُوحي، فقُلت: أَنْ أقرَأ أكثَر وأكتُب أسهَل، فأنَا أَشعُر بأنَّني صَغيرٌ جِدًّا عِندَما أكتُب، فالذي أَعرفه قَليل، والذي أُريد مَعرفته كَثير، وهَذا مَصدر عَذَابِي، وكُلّ مَا أتمنَّاه، أنْ تَتحقَّق لِي الرَّاحَة في عبُور هَذه الفَجوة الهَائِلَة؛ بَين الذي أَعرفه، والذي أُريد أنْ أَعرفه، ولأنَّ الذي أَطلبه صَعب جِدًّا، كَان شعُوري بأنَّني صَغير جِدًّا، عَاجِز جِدًّا، لَيس هَذا تَواضُعًا، ولَكنَّها الحقيقَة)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أنْ تَنقلوا عَنِّي حِين أَمُوت -بَعد عُمرٍ طَويل أو قَصير- أنَّني كُنتُ أَقول: أَمُوت وفي نَفسي شَيءٌ مِن القِرَاءة، وأُوصيكم أنْ لَا تَنسوا نَصيبكم مِنهَا، حَتَّى لَا تَتحسّروا عَلى مَا فَاتكم، ومَا سيَفوتكم مِنهَا، مِثل ذَلك الفَيلسوف الذي قَال: (أكثَر مَا يَبعث عَلى الحُزن أنَّني سأَمُوت؛ وهُنَاك كُتبٌ لَم أقرَأها، صَدَرَت قَبل وبَعد مَوتي)..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store