Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل الإثارة الصحفية ضرورة؟

كتبتُ قبل عام تقريباً مقالاً بعنوان «مدرسة اشربوا من البحر الصحفية» تحدثت فيه عن الهوس الشديد بمطاردة ونشر الأخبار والعناوين المثيرة الذي أصاب كثيراً من وسائل إعلامنا، وجَعلَها من الإثارة هدفاً بحد ذا

A A
كتبتُ قبل عام تقريباً مقالاً بعنوان «مدرسة اشربوا من البحر الصحفية» تحدثت فيه عن الهوس الشديد بمطاردة ونشر الأخبار والعناوين المثيرة الذي أصاب كثيراً من وسائل إعلامنا، وجَعلَها من الإثارة هدفاً بحد ذاته، بشكل يؤدي الى فقدان العديد من تلك الوسائل لدورها كمصدر هام من مصادر التثقيف وتشكيل رؤية الناس تجاه القضايا الأساسية للمجتمع والقدرة على فهمها وتحليلها واتخاذ السلوك المناسب تجاهها. واضافة لكون ذلك شكلاً من أشكال الصحافة الصفراء الممقوتة، فانه أيضاً حيلة الإعلامي الضعيف، وأسلوب غير مهني يتعارض مع المصداقية والأمانة الصحفية ويُشَوِه الخط الفاصل بين الخبر والترفيه.
وإيضاحاً للصورة فإن وسائل الإعلام بحاجة دون شك الى إضفاء بعض الجاذبية الى عناوينها ولقطاتها المصورة وأخبارها وذلك نتيجة للمنافسة الحادة من الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، غير أن المهم هو ألا يتحول ذلك الى هوس وهدف بحد ذاته، وألا يؤدي الى تحريف الخبر وإفقاده لمعناه، أو تشتيت الانتباه عن مضمونه الى أمور أخرى أقل أهمية. وبهذا الصدد، توصف الاثارة الصحفية بأنها مثل الوجبات السريعة التي نعرف أنها مضرة بالصحة، ولكننا نقبل عليها لأنها فقط ألذ من الوجبات الصحية قليلة الدهون.
وحتى لا يتحول إعلامنا تدريجيا الى ما يشبه تلك الوجبات السريعة المشبعة بالدهون والسموم، فإننا بحاجة الى معرفة مفهوم الصحافة ومبادئه الرئيسية، ومقارنته بمفهوم «الإثارة» وأهدافها، والعمل على ترسيخ هذين المفهومين في ذهن الصحفيين، خاصة الشباب المتحمسين ممن يرون في الإثارة أقصر الطرق وأسهلها للشهرة وإرضاء مسؤول التحرير.
بالنسبة للمبادىء الأساسية للصحافة فهي: الموضوعية وتجنب الانحياز، تحري المصداقية، نشر المعلومات المفيدة للمجتمع، تقديم الصالح العام، تجنب الافتراء والتشهير بالآخرين.
الصحافة الرزينة اذاً تهدف الى تعريف الناس بقضايا مجتمعهم الأساسية، وتحفزهم على التفاعل معها، وتجعلهم أكثر فهماً وادراكاً لأحداث العالم من حولهم.
في المقابل فإننا نجد أن المبادىء الأساسية للإثارة الصحفية تتناقض تماماً مع كل ذلك، حيث إنها تهدف الى: إثارة الجدل، الاعتماد على أسلوب الصدمة للمتلقي، التركيز على التفاصيل الجاذبة في الخبر حتى لو كانت تافهة وغير صحيحة وذلك على حساب مضامين الخبر الأساسية، فالهدف الرئيس هو جذب الانتباه بغض النظر عن مصداقية المعلومة وفائدتها ومدى إساءتها وإضرارها بالآخرين، وأخيراً فإن الصالح العام يتوارى خلف الاهتمام بتحقيق الشهرة للصحفي وزيادة الانتشار للوسيلة.
ترى ماذا لو قامت كل وسيلة إعلامية بطباعة مفهوم الصحافة الرزينة، ومقارنته بمفهوم «الإثارة»، وتوزيعه على جميع صحفييها ومدراء تحريرها ووضعه في براويز يتم تعليقها في مكاتبهم، وإلزامهم بتطبيق المبادىء الأساسية للصحافة وأخلاقياتها، وتجنب الإثارة؟
النتيجة ستكون حتماً مذهلة للمجتمع وللصحيفة نفسها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store