نحو إعادة هيكلة التعليم العالي

ريح التغيير لابد وأن تشمل التعليم العالي ممثلاً في الجامعات والبعثات وغيرها. وعندما صدر الأمر بضم التعليم العالي إلى التعليم العام منذ عام تقريباً والتعليم العالي شعر باليتم والمؤمل أن لا يدوم هذا الأمر طويلاً وكل الأنظار تتجه إلى استقلالية الجامعات، والمختصون يعكفون على هذا التوجه فوزارة التعليم عبئها ضخم جداً ولا يحتمل المزيد وربما تكون سعيدة للغاية لو خرج التعليم العالي من عباءتها إلى أيدٍ أمينة أخرى تحددها الهيكلة الجديدة والمرجعية التنسيقية. لعل من أوائل المهام التي ينبغي النظر فيها هي مواجهة الطلب المتزايد على التعليم العالي في بلادنا بشكل لا نظير له مما استدعى فتح المجال لاستيعاب 92% من خريجي الثانوية العامة والذي ينعكس سلباً على التوازن بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل فترتفع بالتالي مستويات البطالة فضلاً عن عدم قدرة بعض الخريجين على التفاعل مع معطيات مجتمعات المعرفة والمنافسة مع أقرانه من حيث مستوى مهاراته وقدراته المهنية. إن التخصصات التقليدية تشهد تراجعاً للطلب عليها في أسواق العمل بالألفية الثالثة وقد لفتت الخدمة المدنية الانتباه إلى هذا الأمر منذ أكثر من 15 عاماً.
هناك مفاهيم لا ننكر قيمتها وأهميتها في مسيرة منظومة التعليم العالي شريطة أن لا تتحول إلى هوس إعلامي منها على سبيل المثال: الشفافية، التنافسية، التمكين، الجودة والمعايير والاعتماد والجامعات النشيطة والفعالة ، الجامعات الأجنبية ، ومواءمة سوق العمل، اختبارات القدرات، الشراكة مع القطاع الخاص، مذكرات التفاهم، هوس المشروعات التكنولوجية والمعلوماتية والتسابق للظهور في تصنيفات الجامعات وغير ذلك من المفاهيم التي لا نقلل من شأنها أبداً بقدر ما يهمنا ضرورة الوعي بواقعنا وعدم المبالغة في تقدير الذات والتبصر في الأمور وتقييم واقعنا بكل صراحة وأمانة وموضوعية. وإذا كان هناك مرصد للأحوال الجوية ومرصد للأسواق وآخر للشئون البلدية فلا بد لنا من مرصد جامعي أو تعليمي يقيس الأداء ويقوِّم العمل وما تسفر عنه نتائج هذا التقويم يجرى التنافس مع الذات في الانطلاق في ضوء ما يمكن أن يتاح من موارد وإمكانات وتحسين قدراتها التنافسية للتفاعل مع النقلة النوعية في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار البحثي بهدف تنمية رأس المال البشري والمعرفي (للحديث بقية).