Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لا تكونوا كنافخ الكير

الناس بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم، وإلى كل قادر على الإسهام الإيجابي والنافع ‏لإصلاح أحوال المجتمع وليس إلى شق صفوفه. فأمتنا اليوم تواجه من داخلها ومن بعض ‏أبنائها ما لا يقل خطورة عما تتعرض له من غزو ثقافي وفكري مباشر بعد أن كان يتسلل ‏إليها كما يتسرب الماء من تحت العشب، فيحدث تخريبًا وعطبًا.‏

A A

الناس بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم، وإلى كل قادر على الإسهام الإيجابي والنافع ‏لإصلاح أحوال المجتمع وليس إلى شق صفوفه. فأمتنا اليوم تواجه من داخلها ومن بعض ‏أبنائها ما لا يقل خطورة عما تتعرض له من غزو ثقافي وفكري مباشر بعد أن كان يتسلل ‏إليها كما يتسرب الماء من تحت العشب، فيحدث تخريبًا وعطبًا.‏
ما يلفت الانتباه هذه الأيام خوض بعض الفضائيات والصحف العربية في قضايا ‏يتعمدون إشعال فتيلها سعيًا الى شهرة وسبق في غير محله، فتارة يتجرأ متحدثون أو ‏كتّاب على الفتوى والبعض الآخر ينبش فيما اتفق السلف الصالح عليه فيفجر شكوكًا لا ‏ندري لصالح من يفعلون وماذا يستهدفون ولماذا في هذه الأوقات؟ ومن ذلك ما طرحه ‏أحدهم عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله.‏
لن أخوض فيما أثير ولا يزال في بعض الفضائيات التجارية التي يجب أن نربأ بأنفسنا ‏عن متابعتها ونربأ بدعاتنا أن يكونوا طرفًا ولو بالرد على ترهات الذين تصيبهم نزعة ‏الفتنة ويخوضون عن عمد أو جهل في تلك القضايا. وعلى هؤلاء أن يتقوا الله في ما ‏يقولون. والمشكلة تزداد في تداعياتها عندما تخرج تلك الأفكار والآراء فتستفز بعض ‏خطباء المساجد وبخاصة في خطب الجمعة ومحاضرات ما بعد الصلاة، فيسارعون بطرح ‏مثل تلك القضايا من باب الرد على المغرضين وهواة الفتن وبخاصة في الفكر الإسلامي، ‏وبذلك يكثر اللغط ومن لم يسمع بالترهات من أصحابها سيسمعها من الخطباء، وتزداد ‏هوة الانقسام ويحدث الضرر بين أبناء المجتمع الواحد والأمة الواحدة، وبخاصة أن بعض ‏الفضائيات تعمق الجروح بدعوى الرد والتصحيح. أما الانترنت فيتلقف كل شاردة ‏وواردة ويصب عليها من الزيت وكل وسائل الاشتعال السريع ما يؤجج نيران الفتنة التي ‏لا تفيد سوى أعداء الأمة وتسيء لديننا وفكرنا الإسلامي.‏
لقد غضبنا أشد الغضب من اساءات في بعض الدول استهدفت نبينا الأكرم خاتم النبين ‏وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فكيف بنا نرى من يشعل الفتنة في وسيلة ‏إعلامية فضائية أو مقروءة وتستعر النيران في دهاليز الانترنت، مما يفرض على الجميع ‏ممارسة الوعي والمسؤولية الفكرية، حتى لا تصبح الطروحات غير العاقلة وقودًا لفتنة لا نهاية ‏لها، وأصبحنا أمام جبال من الفتن المركبة تفيض بها الشبكة العنكبوتية وتطيرها بسرعة ‏البرق، ويستغلها من يضمر لديننا وأمتنا سوءًا، وللأسف ينجر كثيرون من أبناء الأمة إلى معارك سقيمة هابطة عن عمد أو عن جهل دون تقدير لخطورة الخوض في قضايا ‏وآراء لا مبرر لها ولا أساس.‏
إن شعوب الأمة ومجتمعاتها وشبابها يكفيها ما فيها من مشكلات وتحديات للنهوض ‏بالتعليم والصحة والمعيشة ومعالجة البطالة وإصلاح أحوال المجتمع والتحولات الأخلاقية ‏وتحديات الأمن الفكري. كل ذلك يحتاج إلى تضافر الجميع وبخاصة من يهمهم أمر وحدة ‏جسد الأمة ووسطيتها وترسيخ قيمها واستقرار فكرها دون جمود ولا إفراط ولا تفريط‏‏.. وأمتنا وشبابها بحاجة إلى خطوات صحيحة للبناء العلمي والتنموي والأخلاق، فكيف ‏يأتي البعض ويدخل عباد الله في منحنيات وأنفاق مظلمة باسم الحراك الفكري.‏
وكيف لبعض حملة العلم الشرعي أو من يخوضون بغير علم أو الذين يخوضون مع ‏الخائضين، أن يتفرغوا لسفسطة تهدد ما اتفق عليه السلف الصالح والعلماء في الوقت ‏الذي يتهدد استقرار الأسرة العربية المسلمة برياح عاتية من المشكلات وضعف المسؤولية ‏والنزاعات والعنف، وأصبحت كجبل الثلج الذي لا نرى منه سوى قمته ولا ندرك ‏خطورة المغمور منه في عمق الحياة اليومية وتفاصيلها إلا حين تدلهم المشكلات وتدهمنا ‏التحديات.. أين هؤلاء من كل ذلك حتى يشغلوا أجيال الأمة بما لا طائل منه سوى ‏الخسران؟ ‏
قولوا قولًا سديدًا أيها الخارجون عن ثوابت الأمة واتركوا العلم لأهل العلم الثقاة ‏وأعينوا الشعوب على استقرارها وأمنها النفسي ولا تثيروا الفتن الفكرية، ويكفي ما ‏أصاب الأمة ويصيبها من فتن السياسة على الفضائيات حتى غرقت شعوب في تقسيمات ‏عرقية ومذهبية وطائفية وأتت على الأخضر واليابس في دول عدة لم تنطفئ نيرانها بعد. ‏فقولوا خيرًا أو اصمتوا هداكم الله.

ikutbi@kau.edu.sa

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store