التحول الوطني.. ثقافي قبل أن يكون اقتصادياً

لا يملك من يزور دبي إلا أن يـدهش بل ويصدم إعجاباّ بما تقدمه هذه المدينة/الإمارة/ الدولة من إمكانيات عالية للعيش والعمل باطمئنان ورفاهية وحقوق وسعادة. مقومات الحياة الأساسية في دبي تتمثل في الخدمات والقوانين وفرص الحياة والاستمتاع بالخدمات الوفيرة ضمن قوانين وحقوق تطبق بعدل ومساواة بين الجميع بغض النظر عن جنسياتهم ومستوياتهم الاجتماعية وأعمارهم. الخدمات في دبي ليست مجرد طرقات واسعة بل قوانين مرور صارمة تُطبق على الجميع. الخدمات أيضاً ليست مجرد فنادق 5 أو 7 نجوم بل باقة متنوعة من المراكز الثقافية والترفيهية داخل الفندق إضافة إلى موظفين يقومون بخدمة الضيوف بكل مهنية مغلفة بوجوه مبتسمة وتعامل إنساني راقٍ في كل الأوقات وتحت كل الظروف لأنهم محاسبون بدقة وعدل على مستوى ما يقدمونه. الخدمات في دبي ليست مجرد مجمعات تسوق ضخمة يرتادها المتسوقون لشراء احتياجاتهم بل هي نوافذ مفتوحة على وسائل الترفيه المختلفة من سينمات ومطاعم وساحات لألعاب الأطفال والكبار، وقبل كل ذلك فهي مجمعات محكومة بقوانين انضباط أخلاقي يحمي التنوع في المظهر ويحترم عادات الناس المختلفة في المشرب والمأكل والملبس. هي قوانين صارمة ضد التحرش وضد التلاعب وضد الاعتداء. لا تكاد تلمح أثراً لمراقبي السوق (الشرطة) ولكنهم يظهرون فجأة في أقل من طرفة عين إذا ما اقتضت الحاجة. الوصول للأسواق والخروج منها رغم الكثافة البشرية يسير وفق ضوابط وإرشادات واضحة لا يعتدي فيها طرف على آخر مهما كانت الظروف. إذا أردت الخروج من مجمع دبي العملاق عن طريق سيارات الأجرة فهناك ارشادات واضحة عليك اتباعها. وبالرغم من طول مسارات الانتظار إلا أن الجميع يقف صفاً منتظماً كي يحصل على الخدمة. كنت في انتظار دوري لأخذ سيارة تاكسي للخروج من مول دبي، انتظرت دوري كغيري وفجأة تسلل عدة أشخاص من الجانب الأيمن خارج الطابور وركضوا إلى أول تاكسي ظانين أنهم حققوا مكسباً بكسرهم للنظام. لا أنكر علامات الخيبة والغضب التي ارتسمت على وجهي وأنا أراقب ذلك التصرف الأرعن وكدت أفقد هدوئي لولا تدخل مراقب المرور الصارم وإيقافه للتاكسي وإنزاله للمخالفين وإعادتهم لآخر الطابور وتحرير مخالفة للسائق الذي سمح لهم بالركوب.
ذلك مثال واحد لمجمل مشاهدات تمنحك في مجملها الرضا في دبي، وهو مؤشر واضح لكيفية تفعيل الأنظمة إلى واقع يعيشه كل من تطأ قدمه أرض دبي. ذلك الواقع بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة هو المستوى الذي يتم من خلاله التحول الثقافي ضمن رؤية واضحة واستراتيجية فعّالة للوصول للتحول الوطني على مستوى المدينة والدولة والأفراد.
إن خلق تغيير حقيقي على مستوى الشعوب لا يتم من خلال التحول الاقتصادي وحده، أو التحول العمراني مهما بهظت تكاليفه، بل من خلال إحداث تغيير حقيقي في ثقافة الأفراد على مستوى التعامل في الأماكن العامة واحترام القوانين والشعور بأنه لا يمكن لشخص أن يكسب عن طريق خرق الأنظمة والتلاعب بالقوانين على حساب الآخرين.
يقول الشيخ محمد بن راشد حاكم إمارة دبي: «الحكومة ليست وظيفتها تقديم الخدمات فقط بل بناء العقول والمهارات» والتنمية تحتاج إلى جيل مثقف وإحداث تغيير على مستوى السلوك المجتمعي في كل المرافق والمجالات لدى جميع الفئات من المواطنين. لذلك استحقت دبي أن تكون الرقم الأصعب في التنمية والتغيير.