Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بوح حميم في يوميات توفيق الحكيم

كِتَابة اليَوميّات فَنٌ مِن فنُون الكِتَابة التي هَجَرَهَا النَّاس، رَغم مَا فِيهَا مِن البَسَاطَة والعَفويّة والتَّبسيط للمَعلُومَة وتَمريرها..

A A

كِتَابة اليَوميّات فَنٌ مِن فنُون الكِتَابة التي هَجَرَهَا النَّاس، رَغم مَا فِيهَا مِن البَسَاطَة والعَفويّة والتَّبسيط للمَعلُومَة وتَمريرها.. وهي -أكثَر مِن ذَلك- تُعطي فُرصَة للنَّاس -الذين يَعيشون عَلَى هَامِش الحيَاة- أنْ يُعبّروا عَن أَنفسهم، ويَتحدَّثوا عَن وَاقعهم..!
لَعلَّ أشهَر اليَوميّات التي عُرفت في الأَدَب العَربي، هو كِتَاب «يَوميّات نَائِب في الأريَاف».. تِلك اليَوميّات التي كَتَبَهَا بحَماسٍ وصِدق، ووضُوح وعُمق، الرَّائد الأديب «توفيق الحكيم»، وقَد كَان مُتصَالِحًا مَع نَفسه؛ حِين بَدَأ اليَوميّات بمُقدّمة يَقول فِيهَا: (لِمَاذا أُدوِّن حيَاتي في يَوميّات؟ ألأنّها حيَاة هَنيئَة؟ كَلَّا! إنَّ صَاحب الحيَاة الهَنيئَة لَا يُدوِّنها، إنَّما يَحيَاها. إنِّي أَعيش مَع الجريمَة في أصفَادٍ وَاحِدَةٍ. إنَّها رَفيقي وزَوجي، أُطَالع وَجهها في كُلِّ يَومٍ، ولَا أَستَطيع أنْ أُحادثها عَلَى انفرَاد.. هُنَا في هَذه اليَوميّات، أَملك الكَلَام عَنهَا، وعَن نَفسي، وعَن الكَائِنَات جَميعًا. أيَّتها الصَّفحات التي لَن تُنشر! مَا أَنتِ إلَّا نَافِذَة مَفتوحة؛ أُطلق مِنهَا حُرّيتي في سَاعَات الضّيق)..!
إنَّ كِتَابة مِثل «يَوميّات نَائِب في الأريَاف»، لَا تُعطينا حيَاة «توفيق الحكيم» فَقَط، بَل تَتجَاوز ذَلك لتَصف العَصْر الذي كَان يَعيش فِيهِ، والأوضَاع الاقتصَاديّة، والاجتمَاعيّة، والسِّيَاسيّة، والثَّقَافيّة للمُجتمع، في ذَلك العَصْر..!
مَثلاً، كَتَب «توفيق الحكيم» في إحدَى يَوميّاته قَائلاً: (11 أكتوبر): آويتُ إلَى فرَاشي البَارحة مُبكِّرًا، فلقَد شَعرتُ بالتَهَابِ الحَلْق، وهو مَرض يَزورني -الآن- مِن حِينٍ إلَى حِين، فعَصبتُ عَلى رَقبتي خِرقَة مِن الصّوف، وعَمّرتُ بقِطَع الجبن العَتيق؛ مَصَايد الفِئران الثَّلاث، ونَصبتُها حَول سريري، كَما تُنصب الألغَام الوَاقية؛ حَول سَفينة مِن سُفن الصَّليب الأحمَر، وأطفأتُ مصبَاح النَّفط، وأنَا أسأل الله أنْ يُنيم الغَرَائِز البَشريّة في هَذا المَركز بِضع سَاعَات، فلَا تَحدُث جِنَاية تَستوجب قيَامي لَيلاً، وأنَا عَلى هَذه الحَال)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي التَّأكيد عَلَى أنَّ اليَوميّات تَغيَّرت، حَيثُ كَانَت في السَّابق تُكتب عَلى الوَرَق، أمَّا الآن فتَغريدات النَّاس في «تويتر»؛ ومَقَاطِع «السناب»، و»الانستجرام»، كُلّها جُزء مِن اليَوميّات المُصوَّرة والمَكتوبة، ولا أَدري لَو كَان «توفيق الحكيم» بَيننَا؛ هَل سيَستخدم «السناب شات» أَم لَا..؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store