Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«أنا مكتئب تطاردني ذكريات مرعبة لصور الجثث والألم!»

شاهدنا جميعاً صورة الطفلة الأفريقية التي كانت تحتضر جوعاً وخلفها نسر يتحين الفرصة للانقضاض عليها والتهامها.

A A
شاهدنا جميعاً صورة الطفلة الأفريقية التي كانت تحتضر جوعاً وخلفها نسر يتحين الفرصة للانقضاض عليها والتهامها. تلك الصورة التقطها المصور كيفن كارتر وباعها لصحيفة نيويورك تايمز التي نشرتها عام 1993م، ونال عليها جائزة «بوليتزر» التي تعتبر حلماً لأي مصور محترف.
ماذا حدث بعد ذلك؟
انهالت الاتصالات عليه وعلى الصحيفة تسأل عن مصير تلك الطفلة، وفي لقاء صحفي معه أجاب أنه لا يعرف ماذا كان قدرها. صحيفة أمريكية كتبت عنه: «ذلك الرجل الذي كان يضبط عدسة كاميرته ليلتقط أفضل صورة لمعاناة طفلة بحاجة للعون هو مجرد وحش ونسر آخر». ولم يستطع المصور احتمال كل ذلك اللوم وتأنيب الضمير فقام بالانتحار بعد ثلاثة شهور من نيله للجائزة، وترك بجانبه ورقة كتب فيها: «أنا مكتئب.. تطاردني ذكريات مرعبة لصور القتل والجثث والألم.. ذكريات مرعبة للمجاعة وجراح الأطفال».
انتحر «كيفن» وبقيت صورة الطفلة محفورة في ذاكرة كل من شاهدها وتساءل عن مصيرها، وعما إذا كان نشر صورتها ساهم في إنقاذ بلادها من المجاعة!! انتحر «كيفن» وظهر بعده آلاف من هواة ومحترفي تصوير جثث الأطفال وأجسادهم الهزيلة وأعينهم المليئة بالدموع والخوف.. مصورون لا يختلفون عن «كيفن» بشيء، فهم يتجولون في مواقع الكوارث بحثاً عن مجد وسبق و»بوليتزر» حتى لو كان يقطر دماً وألماً.. إعلامنا العربي دخل للأسف منذ عام 2011 ذلك النفق وما عاد يخلو يوماً من تلك الصور واللقطات المرعبة.
لا جدال إطلاقاً على أهمية الصورة الصحفية وتأثيرها القوي، ومثال ذلك الصورة الشهيرة للطفلة الفيتنامية وهي تفر عارية بعد هجوم أمريكي على بلدتها بقنابل النابالم عام 1972م، حيث غيرت تلك الصورة نظرة كثير من الأمريكيين للحرب. كما أن صورة الطفل السوري ايلان، وصور أطفال مضايا قد تكون ساهمت في تحريك المنظمات الدولية لمساعدتهم، لكن ذلك يعتبر قليلاً جداً، متأخراً جداً بالنظر لحجم المأساة وفداحتها.
في اعتقادي أن كثيراً مما تنشره وسائل الإعلام العربية اليوم من صور مفجعة لمعاناة الأطفال تجاوز المقبول مهنياً وأخلاقياً، وهو لا يهدف لمصلحة الضحايا ومساعدتهم بقدر ما هو سباق محموم لزيادة الانتشار ومنافسة شبكات التواصل الاجتماعي، ويصل أحياناً لدرجة الاستغلال الإعلامي للضحايا وعدم مراعاة إنسانيتهم وتأثير الصور السلبي على المشاهدين.
بعد زلزال هاييتي الذي راح ضحيته 230,000 شخص تلقى الإعلام الأمريكي انتقادات حادة لبشاعة الصور التي نشرها، وتساءل مسؤول هاييتي قائلاً بغضب: «انهم يفعلون ذلك لأننا دولة فقيرة تعجز عن شجب نشرهم تلك الصور.. عليهم إدراك أنهم يتعاملون مع بشر يريدون الحفاظ على كرامتهم حتى وهم يموتون». وعلق قارىء قائلاً: «لو كانت الكارثة حدثت في كاليفورنيا، هل كنتم ستنشرون صور أشلاء أطفالكم وجثثهم بهذا الشكل؟»
يجب أن ندرك أن للضحايا كرامة، وأن العبرة ليست بما يريد المشاهد رؤيته فقط ولكن بما يحتاج لرؤيته.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store