Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حتمية التغيُّرات أمام انحسار الخيارات

الإنسَانُ لَيس ثَابتًا في مَكانه كعَامود الكَهْرَبَاء، بَل تَتغيَّر أفكَاره مَع الزَّمن، وتَتغيَّر رُؤيتهِ للحيَاة، كُلَّما زَاد اطِّلَاعًا، وتَوغَّل وسَافر في مَشَارق الأَرض ومَغَاربها، وهَذا لَيس عَ

A A
الإنسَانُ لَيس ثَابتًا في مَكانه كعَامود الكَهْرَبَاء، بَل تَتغيَّر أفكَاره مَع الزَّمن، وتَتغيَّر رُؤيتهِ للحيَاة، كُلَّما زَاد اطِّلَاعًا، وتَوغَّل وسَافر في مَشَارق الأَرض ومَغَاربها، وهَذا لَيس عَيبًا، بَل العَيب أَن يَستَمر الفَرْد مِنَّا كالمسمَار في الجِدَار، ولَا يَتغيَّر، مُردِّدًا عِبَارة الرّجولَة المُزيّفة؛ وجُملة أَولاد الحَارة حِين يَقولون: «الرَّجُل لَا يُغيِّر كَلَامه»..!
إنَّ الكَائن الحَيّ كالنَّبَات المُعرَّض لكُلِّ عَوامِل التَّعرية والتَّغيير، فهو لَا يُغيِّر فَقط رَأيه مِن قَضيَّةٍ إلَى قَضيَّةٍ، بَل يُغيِّر نَظرته في القَضيّة الوَاحِدَة عِدّة مَرَّات، وحَتَّى نَضرب الأمثِلَة، دَعونا نَستَشهد بكَلام الكَاتِب الأَمريكي «مَايكل لويس»، صَاحِب كِتَاب «بوكر الكذَّاب»، حَيثُ يَقول: (السَّبَب الذي أَكتُب مِن أَجله؛ تَغيَّر مَع الوَقت، فقَد كُنتُ أَكتُبُ لأَفقد الإحسَاس بالوَقت، أمَّا الآن تَغيَّر الأَمر، لأنَّني أَصبحتُ أَشعُر بالجمهُور، وأَصبحتُ أَعلَم أنَّ باستَطاعتي تَسديد لَكمة إلَى العَالَم، ولَا أَعرف إنْ كُنتُ أتحكَّم باتّجاه اللَّكمَة، لَكنَّني أَتحكَّم في قوّتها، وهَذه القوّة نِعمَة، والأمر الجيّد أنْ تَجد مَا يَجعلك تَجلس وتَكتُب، وإنْ كُنتُ لَستُ مُتأكِّدًا مِن عَظمة الشّعور بالأهميّة؛ خِلَال الكِتَابَة، ولَا أُفكِّر بهَذه الطَّريقَة، ولَكن يُمكنني إنكَار أَثَر الكِتَابَة، وهَذه الكِتَابَات ستُقرأ وستُحدث بَعض الضّجة)..!
إنَّه لَم يَكتفِ بهَذا، فعِندَما سُئِل لِمَاذا تَكتُب؟ أَجَاب قَائلًا: (لَا يُوجد تَفسير بَسيط لذَلك؛ لأنَّه يَتغيَّر مَع الوَقت، فمَا مِن هوّة بدَاخلي أُريد مَلأها، أو شَيء مِن هَذا القَبيل، لَكنَّني ومُنذ اللَّحظَة التي بَدأتُ بِهَا الكِتَابَة؛ لَم أَستَطع تَخيُّل عَمل أَي شَيء آخَر في حَيَاتي، ولَاحظتُ أَيضًا -وبسُرعَة- أنَّ الكِتَابة كَانت الطَّريقَة المُثلى لفقدَان الإحسَاس بالوَقت، فلَم يَعُد ذَلك يَحدث الآن، ولَكن عِندَما يَحدث، فإنَّه يَكون رَائِعًا)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَن أَدعُوكم لتَأمُّل كَلَام «مايكل لويس»، لتَعرفوا كَيف أنَّ الإنسَان مِن السَّهل استدرَاجه، حَتَّى لَو كَان هَذا الاستدرَاج إلَى آفَة ومَعصية الكِتَابَة..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store