Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المصادر التاريخية

ألقيتُ محاضرة بعنوان: «القائد العثماني فخري باشا..

A A
ألقيتُ محاضرة بعنوان: «القائد العثماني فخري باشا.. الظالم المظلوم» في نادي المدينة المنورة في 13/2/1437هـ الموافق 25/11/2015م خرجت فيها عما عُرف من الاعتماد على المصادر العربية التي كتبها قوميون عرب، يكتبون التاريخ من زاوية واحدة، ويدورون في حلقة البحث عن المصادر المؤيدة لما يرونه، ويتجاهلون المصادر التي تعرض شيئًا مختلفًا عما يرونه، ومن الخلل في كتابة التاريخ الاعتماد على المصادر التي تؤيد ما يراه المؤرخ وغض النظر عن المصادر الأخرى، والموضوعية تستدعي أن يطلع المؤرخ على كل الاتجاهات والمؤلفات التي تناولت الموضوع ليخرج برؤية تقترب من الحقيقة التي لا يعرفها إلا صانعو الأحداث.
مما قلته في المحاضرة: إنني كنت -ومازلت- من أشد الكارهين لفخري باشا لما سبَّبه من مآسٍ لأهل المدينة، فمنهم من قُتل، ومنهم من خرج ولم يعد، ولم تمر بالمدينة سنوات أقسى من السنوات الثلاث التي عاشتها بين حصار من الخارج وتهجير قسري من الداخل، ومع ذلك فإن لهذا القائد الظالم جانبًا ظُلم فيه تاريخيًا وهو مظلوميته في الإدارة القوية، والقيادة العسكرية المخلصة، لأن النظرة الموضوعية هذه لا توجد فيما كتبه القوميون العرب، بل فيما كتبه الضابط العثماني ناجي كاشف كجمان في كتابه: «الدفاع عن المدينة أو كيف انفصلت عن الحجاز»، ففي هذا الكتاب يصف المأساة التي حصلت في المدينة المنورة والملحمة التي سطرها فخري باشا بالمقاييس الإدارية العسكرية، ولقد كان هذا القائد مأساويًا في تهجير أهل المدينة، لكن صموده وشجاعته ملحمة لا يمكن إنكارها وإن كان ذلك يغضب عواطفنا فهو يرضي الموضوعية.
لقد اعتمدت في المحاضرة على مصادر ثلاثة كتبها مؤلفوها من معايشة للأحداث وهم كجمان في كتابه السابق، وفائز الغصين في كتابه «مذكراتي عن الثورة العربية» الذي كتبه من خلال مشاركته في حصار المدينة لمدة ثلاث سنوات، وهو في عمومه يكتب من وجهة نظر عربية قومية، أما الثالث فهو محمد حسين زيدان الذي اصطلى بالحرب وهُجِّر، وكتب كتابه «ذكريات العهود الثلاثة»، التي أرّخ فيها لواحد وعشرين عامًا عاشها في ذلك الزمن.
من الآفات في المصادر التاريخية أن بعض المؤرخين يجهد نفسه بحثًا عما يؤيد ما يراه أو ما تخصص فيه: فهو إن كان معنيًا بكتب التاريخ يرى أنها المصدر الأوحد، وإن كان متخصصًا في الآثار ينكر ما لم يرد في الآثار مع إقراره أن الآثار لم تكتشف كلها، وإن كان من المعنيين بالوثائق الأهلية رأى أنها مصدر للحدث دون غيرها، وإن كان معنيًا بالرواية الشفهية اعتمدها مصدرًا دون نظر لغيرها، أما الشعر الشعبي فهو مصدر أيضًا لكن ما اعتراه من تحريف وإضافات في السنوات الأخيرة وقف عامل شك في مصداقيته.
أول موثوقية فيما يكتبه المؤرخ مصداقية المصدر، وثانيها الإلمام بكل المصادر التي مع ما يراه وهو ما ضده، وثالثها النظر والتحقيق للأحداث التاريخية دون هوى، فالهوى هو آفة التاريخ والمؤرخين، وكلما نوّع المؤرخ مصادره زاد الاطمئنان للنتائج التي يصل إليها إن حلَّل الأحداث بموضوعية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store