Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الشريعة والقانون والفوضى!

وسأبدأ بسؤال بديهي وصادم: هل يُقارَن مقام النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمقام الله عند المسلم؟! وكيف تنتصر لنبيِّكَ ولا تنتصر للهِ في كل حين؟

A A
وسأبدأ بسؤال بديهي وصادم: هل يُقارَن مقام النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمقام الله عند المسلم؟! وكيف تنتصر لنبيِّكَ ولا تنتصر للهِ في كل حين؟ هذا السؤال ستعرف مغزاه، وعمق وأبعاد الإجابة عنه، بعد ذكر القصة الآتية، وتداعياتها:
القصة باختصار: أنَّ امرأةً سبَّت مقامَ النبيِّ الأعظم سيّدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فأُمِر بإعدامها، فحاول شخص متنفِّذ تعطيل الحكم، أو إلغاء قانون تجريم ازدراء الأديان، فاستشاط حارس السجن، أو حارس الوزير غضبًا، وأردى الوزير قتيلاً، ونُفِّذ في الحارس حكمُ الإعدامِ!! وشيَّعهُ الملايين!!
والقصة -وإن كنتُ لستُ مطَّلعًا على تفاصيلها، ومدى صدقيَّتها- سوى مشهد في اليوتيوب للجموع المشيِّعة دون الاطّلاع على مصدر موثوق أبني عليه الحكم، من خلال التفاصيل، فالقصّة تنمُّ عن جهلٍ عظيمٍ من الفاعلِ، والأعظم منه الاجتماع على جهل، إن كان مناصرًا للفعلة نفسها فقط دون غيرها! فكيف لو صَدَقَت؟! المصيبة أعظم!
ولن أستطردَ في بيان حكم مَن سبَّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام، وأقوال العلماء في ذلك، وسبق أن اطَّلعتُ على جوابٍ شافٍ في (الشفا) للقاضي عياض، أثناء بحثي قبل سنوات، وقول بعض العلماء إنَّ مَن سبَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُستتابُ، ومَن سبَّ النبيَّ يُقتلُ!
فالكلام هنا ليس على الحكم، الكلام عن من هو صاحب الأهلية في التطبيق، أفراد الناس، أم ولي الأمر؟!
تخيّل: أن يرى متديّنٌ علاقتُه بالله وثيقة، أناسًا يضحكون ويسكرون وقت صلاة الجماعة جهارًا نهارًا، فغضب للهِ، على أنهم مستهزئون بحق ومقام ربهم وخالقهم، الذي أطعمهم وقوّاهم، وهو ربُّ هذا الكون العظيم، فكيف لأحقر خلقه أن يعصيه بهذا الشكل الفاجر والمستفزّ! ومن فرط غضبه عمد إلى إحراقهم، أو تفجيرهم، أو بأيِّ شكل من أنواع القتل زعمًا أنه ينتصرُ للهِ ورسولِهِ! فهل يُكافَأ ويُفرَح بفعله، وتُنشر صوره على أنّه بطلٌ مؤمن غيور على الدِّين وأهله، وعلى مقام اللهِ جلَّ وعلا؟!
وهذا جواب عن السؤال في مدخل المقال.. فالانتصار للهِ في كل وقت وحين، وليس بتأثير عاطفة عمياء على حساب صيانة المجتمع، وحفظ النفس البشرية بالاعتداء دون وجه حق، ولا تأهيل، ولا تكليف.. الشريعة الإسلامية لها مقاصد عظيمة وعميقة، والأديان السماوية لا تسمح بأيِّ حال من الأحوال بإشاعة الفوضى، ولا سلطة في الدِّين للفرد على آخر؛ بحجة الدِّين وحمايته، إلاّ ولي الأمر المنفّذ لشريعة الله.
ومن ناحية قانونية، يجب -في نظري- أن يُدعم الانتصار للشريعة الإسلامية بطرق رسمية معتبرة لها أهلها، وجهاتها الرسمية عبر قوانين معروفة عند أهل المعرفة والاختصاص من خلال قنوات قانونية في عرف القوانين الدولية، والمواقف الرسميَّة تتُّخذ عن طريق المؤسسات الرسمية وقيادات الدول، لا عبر الأفراد، واجتهاداتهم، وحماسهم.
ولو تأمّلتَ خطرَ مَن سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، على نفسه، -وهو جاهل، نسأل الله له الهداية، وأن يلطف بنا وبه- وقارنتَ بين أثر ذاك، وأثر الاعتداء على النفس ونتائجه الفوضوية، لعلمتَ أنّ مَن زعم بفعله هنا، واعتدائه أنه ناصر للدِّين فهو ظالم لنفسه، وظالم لعباد الله وخلقه.. مؤمنين وكفارًا، متسبب في فوضى لا يُحمد عقباها.. وكفى بالله حسيبًا!
وإن كانت القصة -بحسب بعض المواقع- حدثت عام 2011، إلاَّ إن تكرار إرسالها عبر مجموعات الواتس أب، ومواقع على الشبكة الآن يجعلنا نعيد الكتابة عن مثل هذا الموضوع.. وما أسهل اختراق الشباب من هذا المدخل، وتأليبهم ضد الحكومات -جهلاً- بحُجّة الانتصار للشريعة إن كانت الحال كهذه، والتعاطف سهلاً إلى هذا الحدّ دون تدبر أو تفكر!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store