حضارة اليوم: قوة دون رشاد!

عندما تقود العضلات الأمم في مسيرتها؛ تطيش العقول وتئن القلوب وتضيع فرص الإنسان في حياة آمنة على سطح هذا الكوكب. إنها الإرادة الإلهية الأولى والاستعجاب الملائكي الكريم: (قالوا: أتجعل فيها مَن يُفسد فيها ويسفك الدماء!).
ولتزداد العضلات بروزًا، تُرصد مليارات لبرامج التسلُّح التي لا خير من ورائها سوى استعراض العضلات. واستعراض العضلات حافز قوي لآخرين كي يستعرضوا عضلاتهم أيضًا حمايةً للنفس، وإرضاء للغرور، وتحقيقًا لمبدأ التوازن بين القوى.
اليوم تسعى الإدارة الأمريكية إلى تمويل برنامج تسليح جديد؛ يهدف لتطوير ترسانتها النووية والقدرة على استخدامها بتقنيات عالية جدًا. وعلى رأس البرنامج تطوير قاذفة إستراتيجية لسلاح الطيران الأمريكي، بتكلفة تبلغ 550 مليون دولار للنسخة الواحدة من هذه الطائرة. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 800 مليون دولار. ولأن الحديث يدور حول إنتاج 100 طائرة على الأقل، فإن إجمالي الرقم سيصل إلى قرابة 100 مليار دولار إذا أضفنا تكلفة الأبحاث والتطوير. هذه الطائرة هي جزء من مشروع متكامل يُكلِّف الخزينة الأمريكية تريليون (ألف مليار) دولار على مدى عقد من الزمان.
هكذا هو غرور القوة. هذه هي الحضارة المعاصرة التي تطير بجناحٍ واحد عماده المادية البحتة، غافلة عن دورها الأخلاقي تجاه الإنسانية. لو أنها فقط تذكرت هذا الجانب دون أن تمد يدًا للمساعدة المادية والمالية، لكان لزامًا على البشرية شكرها والاحتفاء بها. لو أنها كانت فعلًا قوة في وجه الظالم أيًّا كان! ولو أنها كانت حمى للمظلوم أيًّا كان، لكانت البشرية في رغدٍ عظيم وأمنٍ سائد، ولأنفقت الولايات المتحدة هذه الأموال الطائلة في برامج أخرى لخير المجتمع الأمريكي، تعليمًا وصحة ونجاحات غير مسبوقة في ميادين كثيرة.
لكنه طيش القوة التي جُبل عليها الإنسان منذ خلقه الأول، ما لم تُقوّمه تربية إيمانية وهداية ربانية، وما لم يهتدِ إلى طريق مستقيم وخلق كريم يرتفع بها جميعًا إلى آفاقٍ عليا، كما ترتفع بها البشرية في مدارج الأمن والاستقرار والطمأنينة والسلام.
تصوّروا كم تُدفع بهذه المليارات المائة شُرور وآثام؟ وكم تُنمّى بها مجتمعات وبلدان!!