Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

قصي سمان وصناعة الأمل

لم يختبئ قصي سمان -الشاب العشريني- مذعورًا في دهاليز مرضه، وتحت شدة أنوائه العاصفة وتقلباته، ولم ينحنِ أو ينهزم وهو يواجه بصدر عارٍ -إلا من الإيمان بالله تعالى - اللوكيميا التي هاجمت نخاعه!

A A
لم يختبئ قصي سمان -الشاب العشريني- مذعورًا في دهاليز مرضه، وتحت شدة أنوائه العاصفة وتقلباته، ولم ينحنِ أو ينهزم وهو يواجه بصدر عارٍ -إلا من الإيمان بالله تعالى - اللوكيميا التي هاجمت نخاعه! لم يتوار بعيدًا عن الأنظار ويتقوقع على معاناته، بل قرر الخروج على الملأ ليحكي بشجاعة عن تجربة شاقة، اعتاد معظم من يضطر لخوض غمارها حجبها بلفائف التكتم والصمت، والانسحاب بعيدًا عن الناس ونظراتهم وما قد تحمله في طياتها من مشاعر مختلطة.
لم يخجل وجسده الشاب يتعرض لتقلبات المرض وتغيراته، بل خرج ليبثّ الأمل ويخلّقه، ويخلع عن مرض السرطان هيبته، ويقلم أظافره وأنيابه، ويطبّع علاقة الناس به. خرج ليكسر الخوف، ويفكك الأفكار النمطية، وينشر الوعي عن المرض، مبصرًا أهالي المصابين بطرق التعامل مع المريض، ومراحل العلاج ودربها الشاق، والتقلبات النفسية المصاحبة للعلاج ومدّها وجزرها. مما يجعل المريض يحلّق في فضاءات الرجاء والأمل تارة، والتي قد يليها الانجراف إلى مهاوي اليأس والاحباط، وذلك تبعًا لما يمرّ به من مراحل تتفاوت فيها درجات المكابدة والمعاناة. وكما تعلّم قصيّ من تجربته الصعبة عن أهمية إرادة الشفاء والمعنويات العالية، ودورها في هزيمة المرض، أراد أن ينقل خبرته والدروس التي وعاها لمتابعيه الكثر على (السناب شات)، والذين زاد عددهم بعد اكتشافه لمرضه ثم خوضه لمرحلة العلاج. فراح يزرع التفاؤل ويتعهد الحلم ويحوّل الألم لأمل، تارة بالسخرية.. وأخرى بنثر الدعابة بأسلوبه التلقائي العفوي، آخذًا متابعيه إلى عالمه الخاص وتفاصيله الصغيرة في المستشفى وعلى السرير الأبيض. وهو هنا لا ينقل تجربته من وراء قلم، ولا يسكب معاناته فقط من خلال الكلمات، بل ينقلها صوتًا وصورة من خلال المقاطع التي يبثها على السناب، والتي يودّ تحويل جزءً آخر منها إلى فيلم وثائقي محفز للمصابين بالمرض. وهكذا حوّل معركته الخاصة الضارية مع مرض السرطان إلى قضية عامة، يتوحّد فيها مع كل المرضى في حربهم مع الداء، وفي صراعهم اليومي مع هجمات اليأس والمخاوف والاكتئاب، لتصبح كل هزيمة للمرض نصرًا شخصيًا له، وكل مريض يستطيع دعمه ورفع معنوياته قوة دافعة له. علّم الشاب اليافع متابعيه أنّ الوجع يخفّ ويتحجّم تأثيره إذا ما استهنّا به، وأن المرض ينكمش على نفسه ويتقزّم بالسخرية منه والتعايش معه، وأنّ العدو الحقيقي ليس المرض بل الخوف واليأس ورفع راية الهزيمة، ليصبح أيقونة ملهمة لكل من يعايش معركته ويتابع معه تفاصيلها اليومية.
لابد أنّ الخوف أخذ بمجامع قلب قصيّ الغضّ عندما اكتشف مرضه، ولعلّ الخوف لا يزال ينتابه من آنٍ لآخر عندما يعنّ جديد في مراحل علاجه، ولكنه استطاع أن يطوّع مخاوفه ويوظّفها، ويحوّلها لمادة للاستبصار والتعلّم وتمرير الخبرات. وتمكّن من جعل تجربة مرضه القاسية وسيلة لاكتشاف قوته الداخلية وإيقاظ ما كمَن منها.
قصيّ أيها المحارب الشجاع، اعلم أن قلوبنا تخفق معك ودعواتنا تصاحبك في حركاتك وسكناتك، وكلنا ثقة بحول الله وقوته أن المرض سينهزم ويولّي الأدبار أمام قوة إيمانك وصبرك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store