Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تكامُل خطابَينا (الدِّيني والثقافي)

يقف خطابانا (الدِّيني والثقافي) على بوابة الوعي التي تصطفُّ خلفها جموعُ الأتباعِ الذين يتلقَّون - باستمرار- سيلاً هادرًا من التعاليم والأفكار المنطوقة والمكتوبة التي تدَّعي وصلا بالحقيقة، وحرصًا على م

A A
يقف خطابانا (الدِّيني والثقافي) على بوابة الوعي التي تصطفُّ خلفها جموعُ الأتباعِ الذين يتلقَّون - باستمرار- سيلاً هادرًا من التعاليم والأفكار المنطوقة والمكتوبة التي تدَّعي وصلا بالحقيقة، وحرصًا على منفعتهم وإرشادهم لما فيه خيرُهم وفلاحُهم ورقيُّهم وتقدمُهم دنيا وأخرى. هنا لن نعدو الحقيقةَ حين نقول: إن الخطاب الدِّيني يحظى بمنزلة تفوق منزلة الخطاب الثقافي؛ كونه –حسب المفتَرَض- ينطلق من منطلق شرعي خالص، وهو المنطَلَق الذي صحَّ مصدرُه وحسنت مقاصدُه، بالتالي فهو يحمل قَدْرًا عظيمًا من الصواب. في حين ينطلق الخطاب الثقافي من منطلقات فكرية بحتة، بالتالي فهو معرَّض للخطأ، ولذا شهدت طمأنينةُ الأتباعِ مَيلاً حادًّا إلى مسيِّرِي الخطاب الديني أكثر منها إلى مسيرِي الخطاب الثقافي، فكان الفارق بين الخطابَين واضحًا. غير أن الأمر الذي لا يمكن إغفالُه والذي أصبح واقعًا لا مفر منه هو أن الخطابَين كليهما لم يعودا مَصدرَي الإلهام والتلقِّي، ومالكَي زمام المعرفة، والقيِّمَين على الوعي؛ فالثورة التقنية بمصادرها ووسائلها المتنوعة والمتجددة دخلت على خط المكاتفة مع الخطابَين، واستأثرت بنصيبٍ وافرٍ من وعي أتباع الخطابَين. وعلى هذا أرى أنه حان الوقت لرتقِ حالةِ عدمِ الوفاق التي تشكَّلت منذ فترة ليست بالقريبة بين مسيِّرِي وأتباع الخطابَين، خصوصًا والثورة التقنية الحديثة سلبتِ الاثنين قَدْرًا كبيرًا من الحظوة التي كانا يتمتعان بها لدى الأتباع بوصفهما –في وقت مضى- كانا المستأثرَين بالساحة دون أن ينازعهما شريك في ذلك. ولذا أتطلع ليومٍ يلتقي فيه مسيِّرو الخطابَين ليتفقوا على ميثاق واضح بينهما تنص مواده على تعزيز مبدأ الاحترام بين الطرفين، وتغليب حسن الظن، مع التركيز على نقاط التقاطع التي تَرْجُح أصلاً بنقاط الخلاف، والعمل على تغليب جانب النفع للمتلقي على أي حساباتٍ أخرى. ما الذي يمنع الخطابَ الدينيَّ أن يتمِّم ما يرومه الخطابُ الثقافي من إحداث حراك فكري ثقافي ونقلة (مثالية) في ذهنية المجتمع تجعله على وعي بما تتطلبه طبيعة المرحلة وحركة الزمن وفتوحات العِلم الحديث، وترقى به خطوات في سُلَّم التطور الذي تشهده المجتمعات البشرية كافة؟ في المقابل ما الذي يمنع الخطابَ الثقافي أن يتمِّم ما يدعو إليه الخطاب الديني من الاستمساك بالأصول، والحرص على التقوى ومكارم الأخلاق، والسير في طريق الرشاد؟ لعلَّ حالة الشكِّ والارتياب، والدخول في النوايا، هي التي أوجدت حالة عدمِ الوفاق بين مسيِّرِي وأتباع الخطابَين، وقد تكون رغبة بعض المسيِّرِين في الاستئثار بوعي الأتباع تقف وراء حالة عدمِ الوفاق تلك، وقد يكون وَهْم (امتلاك الحقيقة المطلقة) هو المحرِّض لتلك الحالة. ومتى أحسن مسيِّرو الخطابَين الظنَّ، وتنازلوا عن الأحكام المسبقَة، واستشعروا أمانة الكلمة، ورجَّحوا المصلحة الوطنية العليا فسنصل –بإذن الله- للتكامُل المرغوب.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store