Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سمّوهم بأسمائهم.. ولا تهادنوا

يُقال إن أول خطوة للعلاج هي التشخيص الدقيق الذي يُسمِّي المرض باسمه الحقيقي؛ مهما كان ذلك الاسم بَشعاً وصَادماً.

A A
يُقال إن أول خطوة للعلاج هي التشخيص الدقيق الذي يُسمِّي المرض باسمه الحقيقي؛ مهما كان ذلك الاسم بَشعاً وصَادماً. وليس أمامنا إزاء جريمة (اغتيال توأمين داعشيين والدتهما، ومحاولتهما قتل والدهما وأخيهما)، والتي أدّت لقتل هيلة العريني -رحمها الله- على يد ابنيها التوأم خالد وناصر، ذوي الثمانية عشر عاماً، إلا أن نُشخِّص الحادثة المأساوية، ونُسمِّي مُرتكبيها والأساس الفكري الذي فجر فيهما هذه البشاعة التي لا يمكن تصوّرها بالعقل أو الفطرة الإنسانية بأسمائهم الحقيقية، دون خوفٍ أو خجلٍ أو مُهَادَنَة.
أمام هذه الحادثة لم تَعُد الإدانة كافية لبدء طريق الحل، والتخلُّص من هذه الآفة، التي تكاد تعصف بالمجتمعات. الخطوة الأولى لقراءة مشهد قتل الأم والأب هي التوقُّف عن إنكار وجود الفكر التكفيري، والاكتفاء بوضع اللوم على الإنترنت أو المخدرات أو البطالة، أو حتى التجنيد الإلكتروني.
ظل بعض الطرح الإعلامي الذي تناول هذه الجريمة أسيراً للمراوغة، وقاصراً عن التعامل مع الحدث بطريقة عقلانية تُسمِّي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وتكشف عن الخلل الفكري الاجتماعي الذي نعيشه. فهناك -على سبيل المثال- الكثير من الرسائل الإلكترونية التي تُبرِّر لهذه الجريمة بأنها نتيجة تعاطي المخدرات، ورسائل أخرى تُحيلها إلى تدخُّل أطراف خارجية في مشاكلنا، باستخدام نظرية المؤامرة الأثيرة لدى الكثير. وهي في مجملها استنتاجات فجّة تُبرِّر للجريمة بتفسيراتٍ سَمِجَة لا يقبلها عاقل، كما أنها لن تساعدنا في الوصول للحلول التي نرجوها.
ومن ناحيةٍ أخرى، نجد أن بعض الممارسات الدينية التي يتّصف بها المجتمع لدينا -مثل الصلاة في المساجد- تستخدم بطريقة عفوية لتبرير أشكال مختلفة من العنف تجاه المجتمع. وعلى سبيل المثال، فقد أشار أحد أئمة المساجد في معرض استنكاره لهذه الجريمة، إلى أن هيلة العريني «شهدت التراويح في المسجد، وأن والد المجرمين كان من المُداومين على الصلاة في المسجد».. ولكننا لا نلتفت كثيراً إلى أن مثل هذه الإشارات تحمل في طيّاتها أن عدم صلاة المرء في المسجد واكتفاءه بالصلاة في منزله قد تجعل من هذا القتل أقل بشاعة.
إن الاكتفاء بمجرد وصف هذه الفئة بمفردات من قبيل «الشباب المُغرَّر بهم»، أو «الفئة الضالة»، أو الاتكاء على العوامل الخارجية -رغم أنها واقع في عالم السياسة لا جديد فيه- تحمل خطر الاتكاء على التحليل والتبرير دون الغوص إلى العمق وكشف الأسس والممارسات التي تسود في غفلة منّا، وتنتج بيئة تنبت فيها هذه البذور الشيطانية المتلبِّسة بلباس الدين.
لذلك، علينا التخلي عن المفردات والتعابير الهلامية في توصيف الحادثة وفاعليها ومفتعليها. فالتوأم القاتل خالد وناصر «مجرمان»، وليسا «ضالين»، والفكر الذي دفعهما للجريمة ليس «الفكر الضال»، بل هو الخطاب التكفيري المُتشدِّد، والفِكر الذي غذَّى عقول المجرمين ليس هو «الفكر المستورد»، بل هو فكرٌ ينتقي من التراث جانباً واحداً ويُكيّفه كيما ينزع الإنسانية عن المختلف ويُبيح قتله، فيمتد هذا بشكلٍ تلقائي إلى قتل الإبن لوالده. ومروّجو هذا الفِكر ليسوا «الفئة الضالة»، بل هم إرهابيون تكفيريون لا ينتمون للدين الإنساني، حتى لو تلبَّسوا لباس الورع، وامتشقوا سلاح الخطابة والقنوات الفضائية.
كل عمل إرهابي وراءه منظومة تضم العرّاب، وهو الشخص المُوجِّه لهذا الفكر، والمموّل الخفي، وحلقة الاتصال بين المُنفِّذ والعرّاب. وعلينا دخول منطقة الأشباح هذه بحسم، لتفتيت دور كل طرف دونما هوادة.
رحم الله الفقيدة وأسكنها فسيح جناته.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store