Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

يمكن الاستناد عليها.. الشعب التركي أنموذجاً

مهما هزج الهازجون، وشمت الشامتون، وغرد المغردون، و»فوسك المفوسكون»، وتفيقه المتفيقهون، ونقلت الأخبار، وقال المحللون، حول ما حدث في تركيا مساء الجمعة الماضي، تظل ردة فعل الشعب التركي على المحاولة الانق

A A
مهما هزج الهازجون، وشمت الشامتون، وغرد المغردون، و»فوسك المفوسكون»، وتفيقه المتفيقهون، ونقلت الأخبار، وقال المحللون، حول ما حدث في تركيا مساء الجمعة الماضي، تظل ردة فعل الشعب التركي على المحاولة الانقلابية - التي وصفت فيما بعد بالفاشلة - وسلوكه الحضاري خلال الأزمة وبعدها درساً ليس فقط للشعوب العربية والإسلامية في حماية مكتسباتها الحضارية والدفاع عن حقها في السلام والأمن ودعم صوتها واختياراتها، بل هو درس أيضاً للحكومات التي تعطي ظهرها للجيش وآلياته، مطمئنة إلى قوته وولائه، أو على أجهزتها الأمنية والاستخباراتية المتعددة، كي تؤمن بأن الشعوب هي الظهر الأقوى في كل موقف وأزمة.
عندما يرتبط الشعب بالوطن، ويحصد مكتسبات سياسية واجتماعية واقتصادية صحية وإنسانية لا يفكر كثيراً في حياته يدفعها فداء لحبة رمل يحاول مغتصب سحقها بقدميه الغليظتين. رغم خطورة الموقف، والخوف الذي عبأ مساحات شاسعة في صدورنا، أو كما يقولون « كنا نحبس الأنفاس « والأخبار متناقضة متضاربة، والمحللون والسياسيون والمتوترون والفيسبوكيون ينقلونك من مربع إلى مربع كحجارة الشطرنج تترنح وتسقط في دوامة من الأفكار وصراع يدكُّ رغباتك لمن تريد الغلبة للشرعية كما يقولون أم للانقلابيين، إلا أن المشاهد التي تابعناها على قناة العربية مساء الجمعة الماضية حتى فجر السبت، تثبت أن الكلمة العليا أصبحت للشعوب.
البعض يختزل الأوطان في شخوص، وتغلب عليه مشاعر الكراهية البغيضة أو الحب الأعمى لفرد، هذه البغضاء والعماء يسيطر كل منهما على الرغبة في نجاح أحد المتصارعين « الجيش أو الرئيس « وفي الحالة التركية يمثل « أردوغان « هذه الحالة المختزلة لتركيا العظيمة ذات الحضارة العميقة، فالاختلاف حوله كبير لمواقفه المتناقضة، واتهامه بدعم الإخوان، موقفه من الثورة المصرية وانتخاب الرئيس السيسي، ومن يزعم بأن تركيا أصبحت الملاذ الآمن للإخوان رغم أنهم جماعة محظورة في بعض دول الخليج وبعض الدول العربية، ويزعمون أيضاً بأنهم في ظل حكم أردوغان يجدون الحرية لممارسة نشاطهم وبث قنواتهم، ربما هذا الدعم للإخوان بعدما ثبتت دمويتهم وانكشفت أهدافهم جعل أردوغان شخصية مثيرة للجدل، ومربكة للمشاعر، مع ذلك استعلت الرغبة في أمن واستقرار تركيا الحضارية باقتصادها القوي وقوتها العسكرية، خوفاً من خطر الانقلاب على أمن المنطقة واستقرارها.
خروج الشعب التركي إلى الشوارع بتلك الكثافة وبتلك الصورة الراقية استجابة لطلب الرئيس المنتخب الذي يمثل بالنسبة لهم « الشرعية « هو هذا الدرس المستفاد للحكومات بأنها يمكن أن تعطي ظهرها للشعب وتغمض عينيها مطمئنة لأن الزمن لم يعد زمن الدبابة والمدفع بل زمن الشعوب الواعية التي تريد « حرية، مساواة، عدالة اجتماعية « فإذا توفرت لها هذه المتطلبات لا قوة تستطيع سلبها منها حتى الدبابات والجنرالات والانقلابات لأنها ستقف أمام زحفها بصدورها العارية كما فعل الشعب التركي، وفي سوريا يحدث العكس، لأن بشار أعطى ظهره للجيش والشرطة وكل القوى العسكرية التي بنيت من أجل حماية الشعب ومكتسباته، لكنها للأسف وجهت لضرب الشعب وتدمير وطن كبير مثل سوريا من أجل « شخص « فرد واحد وعائلته « بشار « فقط يبقى ويقتل الشعب ويتم تدمير الوطن إذن هناك فرق!
الشعوب التي تمتلك حضارة عظيمة وتاريخاً نضالياً تنضج ثمار الوعي في عقولها ويأتي يوم الحصاد العظيم في وقت الأزمات الكبرى التي تحيق بالحاكم كما حدث مساء الجمعة 14/ 7/ 2016م حتى فجر السبت 15/ 7/ 2016م لم تمضِ سوى ساعات وكان الشعب التركي يصلي الفجر في الشوارع آمناً مطمئناً بعد أن قضى على الانقلاب وحصد أردوغان ثمار الوعي الحضاري.
تركيا نجت من كارثة الانقلابات العسكرية التي كانت ظاهرة الستينيات من القرن الماضي، ولم تسلم منها تركيا حتى الثمانينيات منه، أربعة انقلابات عسكرية سحقت الاقتصاد التركي كان يمكن أن يتحول الشعب التركي إلى جمهور متفرج أو غوغائي يدمر مكتسباته وما وصل إليه من حضارة وازدهار كما حدث في بعض الدول العربية التي وقعت في مستنقع الزفت العربي لم يكن ربيعاً أبداً، لكنه الوعي والمكتسبات.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store