Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حكمة الساعة التاسعة: انضباط حياة السعوديين؟ (1)

ليس مهمًّا أن تكون مع أو ضد قرار وزارة العمل بإغلاق المحلات التجاريَّة في التاسعة مساء، بدلاً من الحادية عشرة، لكن المهم هو أن يكون القرار مقنعًا، ومبرراته منطقيَّة، حينها ستتنازل عن موقفك، حتى وأنت م

A A
ليس مهمًّا أن تكون مع أو ضد قرار وزارة العمل بإغلاق المحلات التجاريَّة في التاسعة مساء، بدلاً من الحادية عشرة، لكن المهم هو أن يكون القرار مقنعًا، ومبرراته منطقيَّة، حينها ستتنازل عن موقفك، حتى وأنت منزعج من القرار، وممَّا سيسببه لك من إرباك وتنغيص. لنتفحَّص بعقلانيَّة ما تقدِّمه لنا الوزارة من إيجابيَّات، تتخيَّل أنَّها تساعدها في مهمَّة تقبُّل الناس للقرار، وهي عادة ما تعطينا الفوائد التي سنجنيها أولاً، ثم تختتم بإيراد الدافع الحقيقي لما تأمل أن يزيح عن كاهلها من مشكلات البطالة المتزايدة، وكأنَّها تقول: إنَّ قرارها لصالحنا قبل أن يكون لصالحها.
في المكان الأول هناك ادِّعاء يتكرَّر بأنَّنا يجب أن ننضم للركب العالمي، ونتبع خطوات البلدان المتقدِّمة التي تغلق أسواقها في أوقات مبكِّرة، وكأنَّنا متأخِّرون ومتخلِّفون؛ لأنَّ أسواقنا تغلق في الحادية عشرة، وهذه تُهمة سخيفة. ولكنَّنا نعلم جيدًا أنَّ الأسواق حول العالم لا تتَّفق على ساعة إغلاق موحَّدة، بل إنَّ كلَّ دولة لها نظام خاص بها، فهناك ما يغلق في الخامسة، كما في لندن، في حين يغلق غيرها في الرابعة صباحًا، كما في تايم سكوير بنيويورك، ونعلم أنَّ بعض المدن داخل نفس الدولة تختار أوقات عمل تختلف عن باقي المدن، ونعلم أنَّ بعض المناطق داخل المدن تطبِّق جدولاً مختلفًا عن المناطق الأخرى بها. إذًا ما المانع أن نكون نحن أيضًا مختلفين اختلاف مصر عن دبي، وتركيا عن اليابان، دون أن نوصم بالتخلُّف والتأخُّر؟
ثم تقول لنا الوزارة بأن هناك مردودًا إيجابيًّا يتمثَّل في توفير الطاقة الكهربائيَّة، ولا تشرح لنا كيف؟ أو من هو الذي سيوفر (صاحب السوق، أم المستهلك، أم شركة الكهرباء)؟، في حين أنَّنا نعرف جيدًا أنَّ الإغلاق في الساعة التاسعة سوف يؤدِّي إلى وصل ساعات العمل دون انقطاع، وأن شركة الكهرباء تفضِّل الفترتين؛ لأنَّ الاستهلاك المتواصل سيضاعف من أحمالها، خاصة في فصل الصيف. ثم إنَّ خروج المتسوِّقين من الأسواق إلى بيوتهم سيزيد من استهلاك الشركة، فبدلاً من أن يجتمعوا في مكان واحد، ويشتركون في الاستهلاك الكهربائي، فإنَّ كلاً منهم سيستخدم حمولات الكهرباء في بيته منفصلاً، وهذه زيادة واضحة إن كانت الشركة هي المقصودة.
أمَّا ميزة تنظيم الحركة المروريَّة، والتخفيف من زحام السيَّارات، فهذا وهمٌ خادع؛ لأنَّ الناس سيزاحمون بعضهم في الوصول إلى الأسواق في وقت ضيّق، ويخرجون جميعًا منها في وقت أضيق. مواعيد الخروج من المنازل لن تتغيَّر ولا يمكن أن تتغيَّر، فنظام الحياة تحكمه ارتباطات أخرى، تبدأ بالمدارس من الصباح الباكر، وحتى الظهر، وكذلك الأعمال والوظائف، وتختلف مواعيد العودة منها من الواحدة ظهرًا، وحتى الخامسة أو السادسة عصرًا. هذا هو وقت العائلة الحقيقي: الاجتماع لتناول وجبة الغداء، ثم الانتباه للأبناء والبنات، ومتابعة المذاكرة، والاستعداد لليوم التالي. بعد صلاة المغرب يبدأ أغلبية الناس في الخروج للأسواق، وتزدحم الشوارع، بل وتختنق، كل هذا وهم يعرفون أنَّ أمامهم أربع ساعات متاحة، فكيف سيكون الوضع الاختناقي حين يعرفون أنَّها قُلِّصت لساعتين؟! يبدأ بعدها الزحف العظيم لمغادرة الأسواق.
ومَن يتخيَّل أنَّ الناس ستعود إلى بيوتها لكي تهدأ الشوارع، وتختفي السيَّارات منها مبكرًا؟ بل مَن يعتقد أنَّ السيارات تملأ الشوارع والزحام يتزايد فيها فقط؛ لأن الناس لا يخرجون أصلاً إلاَّ للتسوّق، فهو لا يعرف شيئًا عن معنى الخروج من المنزل إلى الفضاء العام. إنَّ قيادة السيارة (أو الجلوس في مقعدها الخلفي)، والتجوّل بها في الشوارع هي متعة كبيرة، وهواية تمارس في حد ذاتها ولذاتها بلا هدف، ولا تحديد وجهات، وهذا ما يجري في كل دول العالم، ويمارسه الشباب، وكبار السن دون تحديد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store