Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تركيا والانقلاب الذي فشل!

تعرضت تركيا لهزة انقلابية كادت تمحو كل ما أنجزته خلال العقد الماضي وتعيد عجلة الزمن الى الوراء عندما كان العسكر يتحكمون في مفاصل الدولة ويسيطرون على مسارها السياسي عملاً بتوصية أتاتورك الذي منح العسكر

A A
تعرضت تركيا لهزة انقلابية كادت تمحو كل ما أنجزته خلال العقد الماضي وتعيد عجلة الزمن الى الوراء عندما كان العسكر يتحكمون في مفاصل الدولة ويسيطرون على مسارها السياسي عملاً بتوصية أتاتورك الذي منح العسكر الوصاية على نهجه الذي ركز على اقتلاع - من ذاكرة الشعب التركي - تاريخ سبعة قرون في ظل الإسلام وراية المسلمين. الانقلاب لم يكن منظماً كما جرت العادة والرئيس رجب طيب أوردغان نجا من محاولة الاغتيال ولم يفقد أعصابه في ساعة الامتحان. تماسك الرجل القائد بتوازنه وإدارته الحكيمة وفشل الانقلاب. استجاب الشعب التركي بكل أطيافه سوى الانقلابيين ومن على شاكلتهم لنداء الرئيس والخروج للشارع دفاعاً عن الشرعية. أحزاب المعارضة سجلت موقفاً تاريخياً سيكتب لها في أنصع صفحات التاريخ التركي لأنهم لم يجنحوا للانتقام من رجب أوردغان وحزبه بل وقفوا مع تركيا ومن أجل تركيا حتى لا تضيع الإنجازات التي كانوا جزءاً منها سواء كسبوا الجولة أو خسروها. وذلك الموقف يدل على نضج الشعب وعمق ثقافة المؤسسات الدستورية وتمسك القيادات السياسية بها. وتركيا كما هو معروف مرت بعدة انقلابات خلال الخمسين عاماً الماضية ولم تنل منها إلا الضياع وأتى طلب دخول السوق الأوروبية الذي لم يتحقق بعد وقد لا يتحقق في القريب العاجل ليجعل السياسة التركية تقدم على الكثير من الإصلاحات المحلية حتى تتأهل لعضوية الاتحاد الأوروبي. وهنا وجب القول «رب ضارة نافعة» لأن شروط الاتحاد الاوروبي لها استحقاقات تنسحب على كل الدول الأعضاء ،وفي الحالة التركية كانت الشروط ولازالت تشكل تحدياً كبيراً لدولة اسلامية جزء منها في أوروبا والجزء الآخر في آسيا الصغرى.
والمملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله كانت على عادتها في تأييد الشرعية الدستورية ورفض أسلوب الانقلابات العسكرية كما فعلت مع اليمن.
الموقف الأمريكي كان متثاقل الخطى بين تأييد الانقلاب أو الوقوف مع الشرعية الدستورية ورفض أسلوب الانقلابات العسكرية التي لم تجلب للشعوب إلا التخلف والدكتاتورية البغيضة. والأمثلة كثيرة في عدد من دول العالم في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وبرغم أن تركيا إحدى دول حلف الناتو المهمة إلا أن أمريكا كانت كما يبدو شبه مستعدة لتعريض تجربة تركيا الديمقراطية وإصلاحاتها للخطر حتى تزيح رجب أوردغان الغيور على الاسلام والمسلمين وتنصيب شخص موالٍ لها يسمع ويطيع.!!
سياسة تركيا ربما ليست مثالية كما ينبغي ، ولكنها من أفضل التجارب في المنطقة ،لأنها ترتكز على اقتصاد قوي وشعب فاعل وموارد طبيعية تضعها في مصاف أحسن دول أوروبا اذا توفر لها الأمن والاستقرار لكي تستمر في مشوار التنمية المستدامة تحت قيادة سياسية تعرف ماذا تريد.
مرحلة ما بعد فشل الانقلاب تحتاج لإدارة متوازنة وحكيمة حتى تثبت للجميع بأن الهم الأول هو تركيا وأمنها واستقرارها، والاعتراف بأن إفشال الانقلاب تحقق بفضل تضافر كل الجهود التي انتفضت للمحافظة على مكاسب تركيا السياسية، ومكافأة المعارضة بما تستحق والتي كان لها موقف وطني مشرف في وقت اللزوم. فلعبة الديمقراطية يوم لك ويوم عليك ..والبقاء لله ثم الوطن.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store