Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

العقيدة الصّالحة: نهضة العقل والقريحة

No Image

لن يكون مقياس العقيدة الصّالحة، هو، مقياس الدّروس العلميّة، والحيل الصناعية؛ وإنما حسب العقيدة الصّالحة من صلاح وثبات أنّها تنهض بالعقل والقريحة على حدٍّ سواء، ولا تصدّهما عن سبيل العلم والصّناعة، ولا

A A
لن يكون مقياس العقيدة الصّالحة، هو، مقياس الدّروس العلميّة، والحيل الصناعية؛ وإنما حسب العقيدة الصّالحة من صلاح وثبات أنّها تنهض بالعقل والقريحة على حدٍّ سواء، ولا تصدّهما عن سبيل العلم والصّناعة، ولا تحول ما بين معتقديها وبين التّقدم في مضمار الحضارة.
هكذا ينبغي أن تُفهم العقيدة الصّالحة، كونها ليست ممّا يخلع تارة بعد تارة، ولا ممّا يستبدل بتقادم السّنوات، ونصوص الدّساتير؛ لأنّ الذي يُطلب من العقيدة الصّالحة أن تكون صالحة صحيحة لكلّ زمان ومكان، بحيث تصلح لأعمار بعد أعمار: للخاصّة والعامّة، والأعلياء والأدنياء، فلا يصحّ أن تُصاغ منها نسخة مستقلة لكلّ طبقة، أو لكل فريق على انفراد.
والعقيدة الصالحة هي تلك العقيدة التي تتصل بالإنسان، والكون، والحياة، والحق، والعدل، دون أن يكون لكلّ منها مفرق من التّفضيل أو النقصان والرّجحان؛ لأنهّا تستمد قوّتها من قوة وجودها العلوي.
في كتاب (الفلسفة القرآنية) لعباس محمود العقاد - رحمه الله- تأكيد على أنّ والعقيدة الصّالحة، هي العقيدة الإسلامية بكلّ تجلياتها، كما يكشفها عنها الخطاب القرآني في الكثير من المواضع، إنها العقيدة الدّينيّة، إنها فلسفة الحياة بالنسبة إلى الأمم التي تدين بها.
وليس المقصود من كتاب (الفلسفة القرآنية)، كما قد يتوهّم البعض حال قراءة العنوان أنّه كتاب يتّخذ من القرآن الكريم موضوعًا فلسفيًّا؛ كدراسة فلسفة البيان، أو التأريخ، أو النحو، أو علم الاجتماع؛ وإنّما المقصود أنّ القرآن يشتمل على مباحث فلسفيّة في جملة المسائل التي عالجها الفلاسفة القدماء، وأنّ هذه الفلسفة القرآنيّة تُغني الجماعة الإسلامية في أبواب شتّى؛ كباب الاعتقاد، ولا تصدّها عن سبيل المعرفة والتّقديم.
وهي لذلك؛ تحقّق ضرورة الاعتقاد، وتمنع الضّرر الذي يبتلى به من تصدهم عقائدهم عن حريّة الفكر، وحرية الضمير، كما أنّ موضوع الكتاب هو صلاح العقيدة الإسلامية لحياة الجماعات البشريّة؛ لأنّ الجماعات التي تدين بها تستمد منها حاجتها من الدّين الذي لا غنى عنه، ثمّ لا تفوتها منها حاجتها إلى العلم والحضارة، ولا استعدادها لمجاراة الزمن حيثما اتّجه به مجراه.
إنّ هذه العقيدة أعمق غورًا وأصدق منحى ممّا يدور بأوهام منكريها، وأنّها ذخيرة من القوّة، وحوافز الحياة تمدّ الجماعات البشرية بزادٍ صالح لا تستمدّه من غيرها، وإنّ هذه الذّخيرة الضروريّة أوجدت لتعمل عملها، ولم توجد ليعبث بها العابثون، كلّما طاف بأحدهم طائف من الوهم، أو طارت برأسه نزعة عارضة لا تثبت على قاعدة البرهان أو الامتحان.
فمع ثوران العصر الحديث الذي تتصارع فيه معاني الحياة بين الإيمان والتّعطيل، وبين الرّوح والمادة، وبين الأمل والقنوط، ينبغي أن يسعى المؤمنون بهذه العقيدة اللّواذ بعقيدتها المثلى دون أن تخطي الملاذ؛ لأنّها عقيدة تعطيها كلّ ما يعطيه الدّين من خير، ولا تحرمها شيئًا من خيرات العلم والحضارة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store