Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مآرب البشر من حكمة السفر

لَيست المَرَّة الأُولَى -وبالتَّأكيد لَن تَكون الأخيرَة- التي أَكتُب فِيهَا عَن السّفَر، لأنَّ النَّاس تُسَافر، وستَظلُّ تُسَافر إلَى أَنْ يَرث الله الأَرض ومَن عَليهَا..

A A
لَيست المَرَّة الأُولَى -وبالتَّأكيد لَن تَكون الأخيرَة- التي أَكتُب فِيهَا عَن السّفَر، لأنَّ النَّاس تُسَافر، وستَظلُّ تُسَافر إلَى أَنْ يَرث الله الأَرض ومَن عَليهَا.. والسَّفَر في النّهَاية هو حَالَة خَاصَّة، ومِن خُصوصيّته؛ أنَّ الإسلَام خَفّف عَن المُسَافر، ويَسّر لَه في الفَرَائِض، ليَجمع ويُقْصر في الصَّلوَات التي هي عَامود الدِّين، ويُؤجِّل الصَّوم أثنَاء السَّفر، إلَى حِين قَضَائه في «عِدّةٍ مِن أَيَّامٍ أُخَر»، وهَذان الرُّكنَان مِن الأركَان الخَمسَة للإسلَام، ولَم يُمنح المُسلم سِعَةً وفُسحَة فِيهما؛ إلَّا لعَظمة السَّفَر ومَشقّة التِّرحَال..!
إنَّ السَّفر هو انتقَال الجَسَد والرّوح والعَقل؛ مِن مَكانٍ إلَى مَكان، ويَجب أَنْ نَستَحضر هَذه المُكوّنات -أَعنِي الرّوح والجَسَد والعَقل- إذَا أَردنَا أَنْ نَستَفيد مِن السَّفر، وأَنْ نُطبِّق نَظريّة العَالِم والفَيلسوف الإنجليزي «فرانسيس بيكون» حِين قَال: (السَّفَر مَصدر للمَعرفة والتَّجربَة)..!
إنَّ السَّفَر يَجب أَنْ يَكون غَاية مَفتوحة، وعَملاً مُستمرًّا، حَتَّى يُؤتي ثِمَاره، لذَلك يَقول الأَديب الدّكتور «سامي القبّاني»: (أنَا أُسَافر بغيّة السّفر، لأنَّ غَايتي الحَقيقيّة مِن السَّفر؛ لَم تَكُن يَومًا التَّعرُّف إلَى بَلدٍ مُعيّن، بَل كَانت دَومًا تِلك السَّعَادة التي تَشملني، وأنَا في وَسطٍ غَريب، أَخبُرُ عَاداتٍ وطِبَاعًا غَير التي نَشأتُ وتَرعرعتُ فِيهَا.. أُخَاطب الأجَانب بتَعابير مِن لُغتهم، كُنتُ قَد حَفظتها، وأكتَشفُ بَعضًا مِن مِيزَات ثَقافتهم وخصوصيّاتهم)..!
إنَّ السَّفر يَجب أَن يُطرح؛ كأحَد الأدوَات التي تُسَاعد عَلى فَهم الآخر، ونَشر ثَقافة التَّسَامح بَين الشّعوب، لأنَّ الإنسَان كُلَّما سَافر؛ اتّسَعتْ مَداركه، وتَنوّعت آفَاقه، وتَعدّدت رُؤيته، وقَديماً قِيل: (لَا يَعرف وَطنه مَن لَا يَعرف إلَّا وَطنه)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُذكِّر بحِكمة الأَديب «روبرت ستيفنسون» الذي يَقول: (أَنَا لَا أُسافر لأَصل إلَى مَكانٍ مَا)، فهو يَقصد أَنَّ السَّفر رِحلَة مُستمرَّة، نَتعلّم مِنهَا.. ورَحِم الله أُستَاذنا الدّكتور «سامي القبّاني» حِين قَال: (لَا أَعرف السَّفَر إلَّا مُعلِّماً للإنسَان، ومُهذِّبًا لطَبعه، ومُربِّيًا لشَّخصيّته، ولَم يَكن عَبثاً قَول سُكَّان البَادية القَديم: «إنَّ الميَاه الرَّاكِدَة آسِنَة، بَينمَا تَمتَاز الميَاه الجَارية بصَفَائِها ونَقَائِها»! ولو اسْتُنْصِحْتُ؛ لنَصحتُ كُلّ أَبوين أَنْ يُرسلا أَولَادهمَا في رِحلةٍ مُنظّمة؛ لإحدَى بقَاع الأَرض كُلّ بِضع سِنين)..!!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة