Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المتحوِّلون.. سقوط الحكاية

التحوُّل في اللغة يعني التغيير أو الانتقال، وهو يأخذ صورًا مختلفة؛ فقد يكون تحوّلاً من بلدٍ إلى بلدٍ، أو من مذهبٍ إلى مذهبٍ، أو من تيارٍ إلى تيار.

A A
التحوُّل في اللغة يعني التغيير أو الانتقال، وهو يأخذ صورًا مختلفة؛ فقد يكون تحوّلاً من بلدٍ إلى بلدٍ، أو من مذهبٍ إلى مذهبٍ، أو من تيارٍ إلى تيار. والتحوُّل المعنيُّ هنا هو التحول بين أتباع تيارَين (محلِّيَّين) شَهِدا حالات شدّ وجذب كثيرة، وهما تيار المحافظِين، أو (الملتزمِين)، وتيار الحداثيين أو (الليبراليين). فخلال الثلاثة العقود الأخيرة شهدت الساحة المحليَّة حالاتِ تحوُّلٍ بين كلا التيارَين، حتى إن كل تيار متى ظَفر بمتحوِّل جديد تراه يقيم له الاحتفالات، ويُكيل له المدائح، ويصنِّف عن مسيرته المصنَّفات، ويصنع له البطولات بكثيرٍ من المبالغات، وهو ما يدفعه -تحت ضغط الذات المُعجَبة والمصفِّقِين والمستقبِلِين- لتدوين حكايته في شكل منتج أدبي (رواية أو سيرة ذاتية)، أو عبر اعترافات متناثرة في وسائل الإعلام، ويحشو ما سبق بكل ما هو واقعي وغير واقعي. الأمر غير المقبول في قضية المتحوِّلِين لا يأتي من طابور المصفِّقِين والمستقبِلِين بالدرجة ذاتها التي يأتي بها من المتحوِّل نفسه، فالمتحوِّل ما إن يضع قدمه في حِمى التيار الجديد حتى يبدأ بتقصُّد ماضيه، (فيفتح) إحدى عينيه بكل اتِّساعها على الأخطاء والسلبيات في تياره القديم، (ويُغمض) الأخرى تمامًا عن حسنات ومنجزات التيار نفسه، وعملية الفتح والإغماض هذه ليست خاصة بمتحوِّلِي تيار معين، بل تشمل معظم المتحولِين من التيارَين كليهما. ولذا فأنت حينما تقرأ لأحد المتحولِين من أحد التيارَين فينبغي أن تكون على دراية ووعي بأن المؤلِّف (المتحوِّل) سيكون غير أمين في النقل، غير صادق في الوصف؛ لأنه سيجنح للتشفِّي في ثوب المصداقيَّة، ولتصفية الحسابات في لباس الموضوعيَّة. مؤخرًا قرأتُ حكاية لأحد المتحولين، والحكاية تصف -في كثير من فصولها- الواقع، لكن مؤلفها (المتحوِّل) وتحت دوافع (التشفي والانتقام وجَلَبة المستقبلِين) عمد إلى إدخال شيء من المبالغات، وإضفاء مزيد من الصور المشوَّهة للتيار المتحوِّل عنه؛ كي يُظهر نفسَه للقارئ على أنه فارسُ زمانه، وعبقريُّ أقرانه الذي استطاع بذكائه وموازناته الفكاكَ من أسر هذا التيار بكل كلاليبه وخطاطيفه. في المقابل قرأت كتابًا لأحد المتحوِّلين عن مذهب ديني -خارج بيئتنا المحلية- فكان المتحوِّل أقرب إلى الموضوعيَّة، ولم يُبالغ في نقد الفترة التي كان عليها، فيجعل منها فترة سوداء كئيبة مرعبة؛ بل تطرَّق لنواحي الخلل والقصور باتزان، ولم يتطرَّق لأشخاصٍ بعينهم، أو يُشعرنا بأن فترته المنصرمة كلها بلاء وشقاء. هذه الروايات والحكايات شهادات على مرحلة، ومعلوم أن الشهادة حتى تكون صادقة موثوقة فهي لا تُقبل من الشخص ذاته ضد خصمه، فكيف تُقبَل (هنا) من الشخص ذاته (المؤلِّف المتحوِّل) ضد منهجه المتحول عنه؟!. ولذا تَفقد كثير من روايات وحكايات المتحوِّلين موثوقيتَها وتَسْقُطُ مصداقيتُها بسبب الدافعيّة الطافحة عند مؤلفِيها للتشفي والانتقام.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store