Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الإقرار بسطوة التكرار !!

عِندَما كُنَّا صِغارًا قَالوا لَنَا: إنَّ «التِّكرَار يُعلِّم الحِمَار»، ثُمَّ تَطوَّرت الفِكرَة مَع مرُور الزَّمن؛ فأصبَحنَا نَسمع أَنَّ «التِّكرار يُعلِّم الشُّطَّار»، ثُمَّ كَبُر المَفهوم وتَضخَّم

A A
عِندَما كُنَّا صِغارًا قَالوا لَنَا: إنَّ «التِّكرَار يُعلِّم الحِمَار»، ثُمَّ تَطوَّرت الفِكرَة مَع مرُور الزَّمن؛ فأصبَحنَا نَسمع أَنَّ «التِّكرار يُعلِّم الشُّطَّار»، ثُمَّ كَبُر المَفهوم وتَضخَّم وأصبَحنَا نَسمَع عِبارَة: «التِّكرَار يُصْقِل الأفكَار».. ولَكن بَعد هَذه المَقولات، مَاذا قَال العُلَمَاء -مِن أَهل الخِبرَة والفَصل- في هَذا الأَمر؟!
يَقول المُفكِّر العِملَاق «غوستاف لوبون»؛ في صـ133 مِن كِتَابه «سيكولوجيَّة الجَمَاهير»، حَول الإعلَان ودَوره في تَرسيخ الأفكَار الاستهلاكيَّة: (الإعلَان لَا يَكتَسب تَأثيرًا فِعليًّا إلاَّ بشَرط تِكرَاره باستمرَار، وبنَفس الكَلِمَات والصِّيَاغَات مَا أَمكَن ذَلك، وقَد كَان «نابليون» يَقول بأنَّه لَا يُوجد إلاَّ شَكلٌ وَاحِدٌ جَادٌ مِن أشكَال البَلَاغَة، وهو التِّكرَار، فالشّيء المُؤكَّد يَتوصَّل عَن طَريق التِّكرَار؛ إلَى الرّسوخ في النّفوس، إلَى دَرجة أنَّه يُقبَل كحَقيقَة بُرهَانيَّة، ويُمكن أَنْ نَفهم جَيِّدًا تَأثير التِّكرَار عَلى الجَمَاهير، عِندَما نَنظر إلَى الهيبَة؛ التي يُمارسها عَلى الشَّخصيَّات الأكثَر استنَارَة، فعِندَما نُكرِّر الشّيء مِرَارًا وتِكرَارًا، يَنتَهي بِهِ الأَمر إلَى الانغرَاس في تِلك الزَّوَايَا العَميقَة للَّاوَعي، حَيثُ تُصنع دَوافع كُلّ أعمَالنا، فبَعد أَنْ تَمرَّ فَترة مِن الزَّمن، نَنسَى مِن هو مُؤلِّف القَول المُكرَّر، ويَنتهي بِنَا الأَمر إلَى حَدِّ الإيمَان بِهِ، وفي ضوء ذَلك، يُمكننا أَنْ نَفهم القوَّة الهَائِلَة للإعلَان)..!
ويَضرب «غوستاف» أَمثِلَة لشَرح فِكرته قَائلاً: (عِندَما نَقرأ مئة مَرَّة، أَنَّ أَفضَل أَنوَاع الشّوكولَاتة هو نوع «س» مَثلاً، فإنَّنا نَتخيَّل أَنَّنا قَد سَمعنا بذَلك كَثيرًا، ويَنتَهي بِنَا الأَمر، إلَى الاقتنَاع بِهِ كحَقيقَة يَقينيَّة، وبَعد أَنْ نَسمَع أَلف زَعم؛ عَن فَضَائل الطّحين «ع» مَثلاً، وأنَّه قَد شَفى أُناسًا كَثيرَة مِن أَعتَى أَنوَاع الأمرَاض، فإنَّنا نُصبح ميَّالين إلَى استخدَامه؛ عِندَما نُصَاب بمَرضٍ مُمَاثِل)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ أُخبركم بأنَّني بَعد قرَاءة هَذا التَّحليل، عرفتُ لِمَاذَا نُشاهد في مُبَارَاة وَاحِدَة للاتِّحاد؛ (6) إعلَانَات مُكرَّرة لمَشروبٍ وَاحِد، أَو مَعجون أسنَان وَاحِد.. إنَّهم يُحَاولون إقنَاعي بتِلك الأصنَاف، حَتَّى تَكون مُخزَّنَة في ذَاكرتي؛ عِندَما أَذْهَب إلَى التَّسوُّق..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store