نحن الوطن

من ضروريات الوطنية الأصيلة، الفخر بالوطن وطغيان العاطفة بالانتماء للأرض والحنين إليها، والوطنية في حقيقتها ليست شعارات مرفوعة في يوم واحد من السنة، أو تشدّق بمزايدات رخيصة، بل سلوكٌ يُـتـرجِم الـمشاعر النبيلة، وتصرفاتٌ تدلُّ على الأحاسيس الـراقية، فإضافة إلى كونـها إرثًا فِطريًا، لا بد أيضًا أن تكون حقًا مُكتسبًا، وإنجازًا مُستحقًا، حيث يعمل كلُّ الـمنتمين لخارطة البلاد على إثبات ولائهم وإظهار حبهم بـجميع جوارحهم في المنشط والمكره والعُسر قبل اليـُسر، فالوطنية ليست مُجرّد جنسية أو جواز سفر أو بلد الـمنشأ، بل انتماءٌ قوي ينعكس على السلوك، وعطاءٌ مُتبادل بين الراعي والرعية، والقائد والـجمهور، ومسؤوليةٌ أخلاقية تطال كلّ فئات الناس وأفراد الـمجتمع، كبيـرهم قبل صغيرهم، ورئيسهم قبل مرؤوسيهم.
من المَعيب أن يتغنـّى أحدهم بحبّ الوطن وهو لا يحافظُ على مُقدّرات بلده، ويتعدّى على ملكياته العامة بالتخريب، ومن المُخجل أن يرفع أحدهم لافتات الـمحبة والولاء للوطن، وهو يقود سيارته باستهتار ووقاحة وتصرفات تؤذي الناس في أرواحهم وممتلكاتـهم، أو يستمرئ مخالفة الأنظمة الإدارية بالمحسوبية والتعدّي على حق غيره وربما قبول الرشوة بشكل مباشر أو غيـر مباشر، ومن غير المنطقي لمسؤولٍ الفرح بيوم الوطن وهو غاشٌّ لرعيته مُماطلٌ في حقوقهم، مضيّع أمانته، آكلٌ أموال الناس بغيـر حق، مُستغلٌ منصبه لحظوظ شخصية.
ومن علامات صدق مشاعر الوطنية بعيدًا عن التنظير الساذج والمكرر، إبداء النصيحة لأئمة الـمسلمين وعامّتهم، وكشف مَواطن الخلل وبؤر الفساد الاجتماعي والإداري، والتصدّي للسلبيات والاستبداد الشخصي ما استطاع المُواطن إلى ذلك سبيلا، والالتزام بالقوانين المسيّرة لشؤون المجتمع، ومشاركة الـمواطن بما آتاه الله من علمٍ وحكمة وقدرات ومواهب وشهادات في تطوّر وطنه ودفع ضرر المفسدين عنه، وتربية أبنائه على الصلاح، وصيانة مصالحه وإخلاص النية في العمل وإتقانه كما يجب، وتسخيـر موارد الوطن لخيـر الإنسانية والمُواطنين، وتبنـّي مبادئ العدل الفئوي والعمل على رفع الظلم عن الناس، فالوطن قيمته الـحقيقية في الـمُواطن، والارتقاء بالمُواطنة الحقّة أساس خلافة الله في أرضه، فأنا وأنت وكلّنا.. نحن الوطن.