Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«جاستا» بين الدِّيني والدنيوي

لم يأتِ إقرار الكونجرس الأمريكي لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي يسمح للمتضرِّرِين من العمليات الإرهابية بمقاضاة الدول ومطالبتها بتعويضاتٍ ماليةٍ مصادفةً أو نتيجةَ نزوةٍ عبثية أو نتيجةَ تعج

A A
لم يأتِ إقرار الكونجرس الأمريكي لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي يسمح للمتضرِّرِين من العمليات الإرهابية بمقاضاة الدول ومطالبتها بتعويضاتٍ ماليةٍ مصادفةً أو نتيجةَ نزوةٍ عبثية أو نتيجةَ تعجُّلٍ من الإدارة الأمريكية؛ إنما جاء وِفق أهداف وإستراتيجيات نختلف على تأويل فروعها ويتفق الساسة الأمريكيون على تكييف أصولها. قانون جاستا ما هو إلا أداة جديدة من أدوات الابتزاز والضغط التي تمارسها الإدارة الأمريكية بحق أصدقائها وأعدائها لتصل من خلالها إلى غاياتها. هذا القانون يُعد تسوناميًا من جملة تسوناميات أمريكية متتالية تنوعت قواها وغاياتها وآثارها، غير أن تسونامي جاستا يختلف عما قبله؛ فهو يأتي في ظل حَنَق ظاهر من الإدارة الأمريكية، ومطامع معلنة، وأوضاع اقتصادية أمريكية غير جيدة، وفي ظل فتور غير مسبوق في العلاقات السعودية الأمريكية. ما يُحمَد لهذا القانون (الابتزازي) هو تشكيله لحالةِ وعيٍ متناميةٍ ضد حيثياته وتبعاته وذلك لدى شريحة كانت لفرط افتتانها بالقرارات الأمريكية تُردد بكل صلف: «إذا قالت (أمريكا) فصدقوها...». هذه الشريحة كانت تقف موقف الرضا -وأحيانًا التأييد- حيال المظالم وحالات الإرهاب والإبادات الجماعية التي تمارسها أمريكا بحق شعوب الأرض وخاصة العرب والمسلمين، وكانت الشريحة نفسها تَتَّهم من يستنكر الممارسات الأمريكية بالتطرف والإرهاب ومعاداة (السلام). الشريحة نراها اليوم عندما تعلق الأمر -في ظاهره- بالدُّنيا (الدنيوي) بدأت تسترد شيئًا من وعيها وتُحمِّل أمريكا -علانيةً- ما حلَّ بالَعالم من مآسٍ وبلاء، بدءًا بإبادتها هيروشيما ونجازاكي مرورًا بمأساتها في فيتنام وبتفريخها الإرهاب في أفغانستان ودعمها اللامحدود للعدو الصهيوني واحتلالها وتفكيكها العراق ورعايتها لداعش، وليس انتهاءً بقانون جاستا. ومن التناقضات الحادَّة لدى هذه الشريحة أنها لم تكن -من قبل- تؤمن بقبح وظلم الممارسات الأمريكية عندما كان الأمر يتعلق بالدِّيني والشعائر الدينية، وعندما تعلق الأمر بالدنيوي كفرت بالممارسات الأمريكية. ولذا فالعقلاء على يقين بأن مطبخ القرار في الإدارة الأمريكية يضع في أولوياته العامل (الدِّيني) الذي قامت عليه وتمسكت به المملكة -ولا يُغفل العامل الاقتصادي- ومع هذا سيظهر مشكِّكون ومنكرون لأولوية العامل الدِّيني الذي سيظل الهاجس الأكبر للإدارة الأمريكية ضد الدول الإسلامية والمملكة على وجه الخصوص. الإدارة الأمريكية اشتغلت جاهدة على (تفكيك) اللُّحمة الداخلية للمملكة ولما لم تتحقق غاياتها ها هي اليوم تقفز على المواثيق الدولية لتُقر هذا القانون الذي يرمي إلى جعل المملكة بلدًا يعيش تحت خط الفقر ومن ثَمَّ الوصول إلى حالة التفكك والانهيار وانتهاءً بالغاية الكبرى وهي محاصرة الدِّين. وعليه فمطلوب تغيير النظرة والتعامل -بقوة وحكمة- مع الإدارة الأمريكية، مطلوب الاصطفاف (العربي والإسلامي) ضد هذا القرار لكبح حالات الابتزاز الأمريكية التي تنوعت طرائق ووسائل تنفيذها؛ فبالأمس تحت عباءة (الحرب على الإرهاب) واليوم تحت مظلة (جاستا) وغدًا لاتَ ساعةَ مندمِ.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store