Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

من يغضُّ العيون عن الفُحش والجنون؟!

ارتَبَطَت مُفْرَدة «الفُحش» بارتفَاع الأسعَار؛ في أَغلب صِيَغ المُبَالغة، حَيثُ اعتَادت الأُذن والعَين سَماع وقِرَاءة عِبَارة: «الغَلَاء الفَاحِش»؛ حِين يَرِد ذِكر مَواسم البَيع والشِّرَاء في التَّحقي

A A
ارتَبَطَت مُفْرَدة «الفُحش» بارتفَاع الأسعَار؛ في أَغلب صِيَغ المُبَالغة، حَيثُ اعتَادت الأُذن والعَين سَماع وقِرَاءة عِبَارة: «الغَلَاء الفَاحِش»؛ حِين يَرِد ذِكر مَواسم البَيع والشِّرَاء في التَّحقيقَات، والأخبَار والمَقَالَات..!
وكَم تَمنَّيتُ أَنْ أَرَى رِجَال الحِسبَة؛ وهُم يَتصدُّون لفُحش الأسعَار، لأنَّ الفَواحِش أخطَر عَلى المُجتمعَات مِن المُنكر، وتَتصدَّر الأَولويّات، باعتبَارها آفّة فتَّاكة، لَابدَّ مِن التَّصدِّي لَها بحَزم، ولَا يَكفي النّهي عَنهَا، عَلى طَريقة المُنكرَات..!
وإذَا سَفّه أَحَد رِجَال الحِسبَة هَذا الرَّأي، بحجّة أنَّه مُجرَّد تَوظيف أَو تَلاعُب لُغوي بالمُفردَات، سأَقول لَه: مَعكَ كُلّ الحَقّ. «مَا عَلينَا» مِن المُفردَات والمُصطلحَات. لَكن –ومَا بَعد لَكن يَنفَع للذِّكرَى أحيَاناً- تَذكَّر أَنَّ أَوّل مُهمّة كُلِّفَت بِهَا الدُّفعَة الأُولَى مِن رِجَال الحِسبَة –عِند تَأسيسها في عَهد سيّدنا عُمر «رَضي الله عَنه»- كَانت مُرَاقبة الأسعَار والمَكاييل، ومُكافحة الغشّ، ومُعاقبة المُطفِّفين، ولَم يَرِدْ في نوَايا المُؤسِّسين الأَوائل لجِهَاز الحِسبة؛ أَنْ يَكون مِن صَميم عَملهم النَّبيل مُراقبة النَّوايَا، وتَفتيش خَبَايَا النّفوس.. حَتَّى المُنَافقون كُشِفُوا للمُصطَفَى- صَلّى الله عَليه وسلّم-، لَكنَّه لَم يُحاسبهم إلَّا عَلى مَا اقتَرفته أَيديهم، لأنَّ الله كَفيلٌ بِمَا في دَاخل الصّدور، وهو الذي يَتولّى السَّرائِر، ومَا عَلى البَشَر إلَّا التَّعامُل مَع الظَّواهِر..!
وحَتَّى يَخرج المَقَال مِن سِيرة الحِسبة ودَورها، أَعودُ إلَى جُزئية الأسعَار، مُذكِّراً بجُملة أُخرَى تُنافس «الغَلَاء الفَاحِش»، وهي جُملة «جنُون الأسعَار»، لأتسَاءل: إنْ كَان مِن حَقّ المُتضرِّر مِن هَذا الجنُون؛ التَّظلُّم إلَى الجِهَات التي تَحجر عَلى المَجانين، لحمَاية النَّاس مِن تَصرُّفاتهم اللا مَسؤولة؟! فأنَا -مَثلاً- ذَهبتُ مرَّة لأُخرج أَحَد الأقَارب مِن مُستشفَى الصِّحة النَّفسيّة - بُناءً عَلى طَلبه-، وحِين قَرأتُ الإقرَار الذي يَجب أَنْ أُوقِّع عَليه، قَبل استلَام المَريض، تَردَّدتُ في إتمَام الأَمر، لأنَّ هُنَاك فَقرة تَعتبرني مَسؤولاً عَن أَي تَصرُّف يَصدر مِن المَريض، تِجَاه المُؤسَّسات والأفرَاد، وأَتحمّل كُلّ التَّبعَات القَانونيّة والمَاديّة؛ المُترتِّبة عَلى سلُوكيَّاته، فالمَريض النَّفسي لَيسَ وَاعياً بتَصرُّفاته، وَلا يُحاسَب عَليها، بَل يَقع ذَلك عَلى كَاهِل الأشخَاص المَسؤولين عَنه، وحِين يَغيب عَن نَاظري، سأَعيش أسوَأ الكَوابيس، وسأتكَهَّن بأَسوَأ السّينَاريوهَات التي يُمكن أَنْ تَحدُث -لَا قَدّر الله-..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أنَّنا إذَا فَقدنَا السَّيطرَة عَلى الأسعَار، فسنَبْحَث عَنهَا في أَوكَار الفُحش، أَو فِي سلُوكيَّات الجنُون، وكُلّنا نَعرف أَنَّ الفَحشَاء والجنُون لَا يَستَطيع الإنسَان العَادي التَّصدّي لَهما، فالتَّساهُل مَع الفُحش، سيَسمح لَه بالتَّحوُّل إلَى وَحش، كَمَا أنَّ الجنُون لَيس كالفنُون، مَهمَا حَسُنت الظّنُون..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store