مَع زَحمة الحيَاة، تَغيب عَن الإنسَان بَعض الأفكَار البَسيطَة، التي قَد تَكون أَمَامه، ولَكن مَع دَوَّامة الأمُور المَعيشيَّة، يَنسَى أَنْ يَنتَبه إليهَا أَو يَفطن لَهَا.. إنَّها أَشيَاءٌ صَغيرةٌ، ولَكن ثَمرَاتها كَبيرة، وهي أَفكَارٌ قَليلةٌ، ولَكن مَعَانيها جَليلَة..!
خُذ مَثلاً، هَذه الأفكَار التي بَسَّطها الفَيلسوف «فرانسيس بيكون»، وهو بالمُنَاسبة مِن أَوَائل الذين دَعوا إلَى تَحرير الفِكْر،
وإعلَاء قِيمة الرُّوح العِلميَّة في العصُور الحَديثَة، في كُلِّ أُوروبَا، لَكن مَا يَهمُّني هُنَا؛ تَشريحه للنَّفسِ البَشريَّة، حَيثُ يَقولُ في وَاحدةٍ مِن تَجلِّياته: (لَيس مَا يَجعَل النَّاس أَصحَّاء أَقويَاء هو مَا يَأكلون، وإنَّما مَا يَهضمون. ولَيس مَا يَجعلهم أَغنيَاء هو مَا يَربحون، وإنَّما مَا يَدَّخرون. ولَيس مَا يَجعلهم عُلَمَاء هو مَا يَقرأون، وإنَّما مَا يَتذكَّرون ويَستوعبون، ولَيس مَا يَجعلهم أفَاضل وأتقيَاء مَا يَتشدَّقون بِهِ، أَو يَتظَاهرون، وإنَّما مَا يَعملون)..!
إنَّ هَذا النَّص نَصٌّ ذَهبيٌّ، بَل هو خَارطة طَريق، يَجب أَن يَكتبه كُلٌّ مِنَّا في لوحَة، ويُعلِّقها في صَدر المَجلس، فهو نَصٌّ يَرسمُ لَكَ مَلامح حيَاتك البَسيطَة، ومَاذا تَستَفيد مِن الأكْل والمَال، والقِرَاءة والتَّعَامل مَع النَّاس، والحيَاة، فأنتَ لَستَ عِبَارة عمَّا تَأكُل، بَل عِبَارة عَمَّا تَهضم مِن هَذا الطَّعَام، وأنتَ لَستَ غَنيًّا بما تَكسبه مِن الأموَال، بَل غَنيٌّ بِمَا تَدّخره مِنهَا، وأَنتَ مُتعلِّم لَيس بكَثرة مَا قَرَأَتْ مِن كُتب، بَل بحَجم مَا تَمتَص وتَتذكَّر، وتَستَوعب مِن هَذه القِرَاءَات، والأَخير وهو الأَهم، أنَّك لَن تَكون فَاضِلاً ولَا تَقيًّا؛ بِمَا تَتشدَّق بِهِ مِن الفَضَائِل، ومَا تُزايد بِهِ مِن شِعَارَات التَّقوى، بَل أَنتَ إنسَانٌ بِمَا تَعمل وتُمارس وتَفعَل..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ أُوصيكم ونَفسي بتَقوَى الله في السِّرِّ والعَلَن، ثُمَّ تدبُّر هَذا النَّصِّ والتفكُّر بِمَا فِيهِ مِن مَعانٍ، وهل هي تَنطَبق عَليكم أَم لَا؟، أَو عَلى الأَقَل هَل يَنطَبق عَليكم بَعضها؟ هَذا وبالله التَّوفيق.
خارطة الفيلسوف «بيكون».. لمَن يتدبَّرون
تاريخ النشر: 10 أكتوبر 2016 23:44 KSA
مَع زَحمة الحيَاة، تَغيب عَن الإنسَان بَعض الأفكَار البَسيطَة، التي قَد تَكون أَمَامه، ولَكن مَع دَوَّامة الأمُور المَعيشيَّة، يَنسَى أَنْ يَنتَبه إليهَا أَو يَفطن لَهَا..
A A