Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

فاقد الشيء يعطي أفضل الشيء!

الأمثَالُ، هي مَقولاتٌ تصيغُها الشُّعوبُ في فَترةٍ مِن الفَترَات، وكَمَا نَعْلَم أَنَّ الزَّمَنَ مُتغيِّرٌ، ومَعهُ تَغيَّرتْ بَعضُ الحَقَائقِ، فمَثلاً كَانت مَسألةُ «كُرويَّةِ الأَرضِ» هَرْطَقَةً عَبث

A A
الأمثَالُ، هي مَقولاتٌ تصيغُها الشُّعوبُ في فَترةٍ مِن الفَترَات، وكَمَا نَعْلَم أَنَّ الزَّمَنَ مُتغيِّرٌ، ومَعهُ تَغيَّرتْ بَعضُ الحَقَائقِ، فمَثلاً كَانت مَسألةُ «كُرويَّةِ الأَرضِ» هَرْطَقَةً عَبثيَّةً، لَا أَصْلَ لَها في القرُون المَاضية، أمَّا الآنَ فهي حَقيقَةٌ بَديهيَّةٌ؛ يَدرسها الطَّالبُ في الصَّف الرَّابع الابتدَائي..!
مِن الأمثَالِ التي تُحبطُ، وتَجعَلُ الإنسَانَ يَعيشُ في دَائِرَةِ التَّقوقُعِ واليَأسِ، مَقولةُ «فَاقد الشَّيءِ لَا يُعطيه»، ولَكنْ لَو تَدبَّرنَا هَذه المَقولةَ بعِينِ الفَحصِ، ونَظرةِ النَّقدِ، لوَجدنَا أنَّها غَيرُ صَحيحَةٍ، ولَا أُريدُ أَنْ أَقولَ عَارية مِن الصِّحَة، وإليكُم الأدلَّة:
إذَا قَابلتَ شَخصًا مُدمنًا عَلى شُربِ السَّجَائِر، فأوَّل كَلِمَة يَقولُهَا لَكَ: (احذَرْ مِن التَّدخينِ)، مَع أنَّهُ يُدخِّنُ، وهَذا يَدلُّ عَلى أَنَّ فَاقدَ الشَّيءِ قَد يُعطيه؛ بحمَاسَةٍ أكثَر ممَّن يَمتلكه..!
أكثَر مِن ذَلك، تَجد بَعضَ المُسرفين في المَعَاصِي؛ يَنصحُون أمثَالهم مِمَّن أَسرَفوا بالتَّقوَى والصَّلَاح، مَع أنَّهم فَاقدُونَ لهَذه الخَاصيَّةِ، وقَد انتبَه أَحَد الشُّعرَاء إلَى هَذِه المُعَادلةِ حِين قَال:
غَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى
طَبِيبٌ يُدَاوِي النَّاسَ وَهْوَ عَلِيلُ
ولِمَاذا أَذهَب بَعيدًا، فهَا هي أُمِّي «لولوة العجلان» -بَارك الله فِيهَا- لَا تَقرَأُ، ولَا تَكتبُ، ولَم تَتعلَّمْ، لِذَلكَ هِي فَاقِدَةٌ للعِلْمِ، ومَعَ هَذَا، كَانتْ لَيلَ نَهار تُوصينَا بالعِلْمِ وطَلَبِهِ، ولَمْ يَتوقَّفْ تَشجيعُهَا وتَحفيزُهَا لِي؛ مُنذُ الابتدائيَّةِ حَتَّى الدكتوريَّةِ..!
كَمَا أَنَّ الأُمَّ التي حُرمتْ مِن الحَنَان في طفُولتهَا، نَجدهَا تَمنحهُ بكثَافةٍ لأبنَائِهَا، والسَّببُ أنَّها كَانتْ مَحرومَةً مِنه، أَو فَاقِدَةً إيَّاه في طفُولتِهَا..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَن نَقولَ: يَا قَومِ، لَا تَستَعجلُوا في قبُولِ الأمثَالِ، فهي مِثلهَا مِثل عِلَبِ التُّونَةِ، تَحملُ تَاريخَ صَلاحيَّةٍ، ومَا كَان يَصلُحُ بالأَمس، لَا أَقولُ بأنَّهُ لَا يَصلُحُ لليَومِ، بَل هُو ضَارٌّ لليَومِ، والغَدِ..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store