Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الشائعات وغياب المعلومة !

لعلّ مجتمعنا لم يشهد من قبل انتشار الشائعات وسرعة سريانها كالنار في الهشيم ، كما هو ملحوظ في وقتنا الحالي !

A A
لعلّ مجتمعنا لم يشهد من قبل انتشار الشائعات وسرعة سريانها كالنار في الهشيم ، كما هو ملحوظ في وقتنا الحالي ! فمن كل حدب وصوب ، تُسَاقـط علينا مواقع التواصل الاجتماعي ما في جعبتها من شائعات سياسية واقتصادية ، ناهيك عن الأخبار المفبركة ، أو الأخرى المقتطعة من سياقاتها ، وذلك في سبيل تصدير فكرة محددة أو زرع مفهوم بعينه .فيما يساهم بعضها الآخر في تأجيج الطائفية ، أو إيقاظ ما خمد من عصبية قبلية أو مناطقية ، إلى باقي ما ابتليت به بلادنا العربية من أمراض، وفتن عاتية ، تكاد تأتي على الأخضر واليابس في بلدان مجاورة لنا ، ثم لا نعتبر مما يحدث !وهنا يكفي أن تسأل أحدهم عن سر قناعته بصحة المعلومة التي ينقلها لك ، ليجيبك بكل ثقة واطمئنان أنها وصلته عبر (الوتساب)!.، وكأنه حق مطلق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !
لاشك أن لوسائل التواصل الحديثة ،والأجهزة الذكية، وتطبيقات الدردشة والتواصل دوراً كبيراً في سهولة تداول الشائعة ، وانتشارها بشكل واسع .كما أن لغياب العقلية النقدية التي تغربل، وتمحص الأمور دوراً مهماً في التبيئة لامتصاص الشائعة ، وإفقاد المجتمع المناعة ضد اختراق المعلومات المغلوطة والشائعات السياسية، أو الأفكار الموبوءة المدججة بالشرور والتي تزرع الفتن وتشعل الحرائق .!
لا شك في كل ماسبق ، ولكن في تقديري أن العامل الأهم في تفشي الشائعة، هو غياب الشفافية والمعلومة الواضحة ، والتصريح الرسمي الذي يضع النقاط على الحروف ويطمئن المجتمع خاصة فيما يقلق الناس في رزقهم ومعاشهم . أيضاً، يلعب غياب المعلومة الدور الأكبر في تكوين قابلية كبيرة للاستقبال الشديد السلبية للشائعة ، فالشائعة -ومايقال أنه تسريبات من مصادر موثوقة -تشكل المنبع والمصدر الوحيد للمعلومة هنا! كما أن الصمت والتكتم مدعاة لاستيلاد التكهنات والتخرصات، وإعادة إنتاج الشائعة بأشكال مختلفة . كذلك يساهم الصمت مع غياب المنهج النقدي في التعليم ، والتمسك بآليتي التلقين والتلقي في أساليبه عوضاً عن التكوين والتفكير ، في إفقاد المجتمع حصانته أمام سطوة الشائعة وقدرتها على التمدد !
وغني عن الذكر أن التوتر من حولنا ،والأوضاع السياسية والاقتصادية المتأرجحة ، وكل ما يدور في العالم عامة من صراعات وتجاذبات ،وفي منطقتنا العربية بشكل خاص ، يساعد على إشعال جذوة القلق ، ورفع نسب التوجس إلى أعلى مستوياتها ، ونكاد نلمس هذا القلق عند غالبية الفعاليات الاجتماعية والثقافية ، مما يساهم في المزيد من القابلية والتقبل للشائعات.
في المقابل ، شهدنا أخيراً -نظرا لتوفر المنابر الإعلامية المتحررة من سلطة الرقيب- ، ولارتفاع معدل النقد الصريح في صحفنا نسبياً ، طروحات نقدية علمية رصينة على قدر كبير من المسؤولية ، تتناول مستجدات مشهدنا الاقتصادية ، وتدرس بعين الفاحص ماتم استحداثه في رؤية التحول ، وتقرع الجرس منبهة لمخاطر دراسات شركة ( ماكينزي ) وطوباويتها وبُعدها عن واقعنا الاجتماعي ، وفشلها السابق في تحقيق المآلات المرجوة في شركات أجنبية ،بل وفي بلدان عربية أخرى . لا شك أن هذا النقد الرصين صحيٌّ ولازم في المنعطفات الانتقالية من مسيرة الأوطان ، ولكنه يستدعي استجابات من المسؤولين ، توضح الصورة، وتبعث الاطمئنان بأن أقدامنا تسير في الطريق الصحيح وأن المراجعة قائمة ، خاصة وقد شهدنا في السابق تنكب بعض رؤانا ومشاريعنا ومدننا الاقتصادية الطريق ، لأسباب عديدة ، لعل من أهمها غياب المتابعة والمراقبة .
حديث المتابعة لابد أن يقودنا بالضرورة ، إلا أن الإصلاح الاقتصادي ورؤية التحول نفسها تستدعي إجراءات تحديثية في حقول متعددة ، ودمج المواطن وإشراكه في مسؤولية الرؤية ، ليكون مع الحكومة راعياً لرؤيتها ومتابعاً لتنفيذ خطواتها .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store