Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

نوبل.. مرآة الواقع العربي

لم يدر بخلد الكيميائي السويدي (ألفريد نوبل) وهو يصادق في وصيته على جائزته (جائزة نوبل) أنها ستصبح جائزة عالمية، وأنها ستغدو هدفًا ومطمعًا يتسابق عليه ساسة وعلماء وأدباء العالَم.

A A
لم يدر بخلد الكيميائي السويدي (ألفريد نوبل) وهو يصادق في وصيته على جائزته (جائزة نوبل) أنها ستصبح جائزة عالمية، وأنها ستغدو هدفًا ومطمعًا يتسابق عليه ساسة وعلماء وأدباء العالَم. أسس نوبل جائزته ليكفِّر أو ليعتذر بها عما سبَّبه اختراعه الفتَّاك (الديناميت) حينما استُخدِم لأغراض القتل والإبادة في النزاعات والحروب بدلاً من استخدامه في نفع الإنسان والتغلب على قوى الطبيعة التي تقف حائلاً دون تحقيق التنمية والرفاه للبشرية. الإبداع كما هو معلوم له ركنان راسخان هما (الأصالة)؛ بحيث يكون المنتَج غير مسبوق بمنتج مشابه (والإفادة)؛ بحيث يكون المنتج مفيدًا للبشرية لا ضارًّا بها، وإبداع نوبل هداه لاختراعٍ أصيل هو الديناميت وهو اختراع ذو حدين؛ فقد يُستخدَم للنفع وقد يستخدم للضرر والتدمير، ولأن نوبل أحس بأن اختراعه استُخدِم في جانب كبير منه في إيقاع الضرر على البشرية فقد رأى أن يخصص جائزة كبيرة لكل مبدع وعبقري تظهر على يديه مخترعات تُسهم في نفع البشرية ورخائها وتقدمها. واليوم يكون قد مضى على تأسيس هذه الجائزة العالمية ما يربو على قرن من الزمان، ذهبت أموالها وشهرتها لأفراد توزعوا على كوكب الكرة الأرضية بمختلف أديانهم وأعراقهم وانتماءاتهم. غير أن العرب مع أنهم كثرة كاثرة وأصحاب سلاطة لسانية ودماء نقية وكرم حاتمي وشجاعة عنترية إلا أنها لم تشفع لهم ليحصدوا كمًّا وافرًا من جائزة نوبل؛ إذ لا يتجاوز ما حصَّلوه منها سبع جوائز، خمس منها للسلام (الموهوم)، وواحدة للآداب، ويتيمة للكيمياء. وبعيدًا عن أي تأويل فإن جائزة نوبل (للسلام) لا تحمل من المصداقية ما يجعل الفائز بها يطير فرحًا؛ فالجائزة كونها تعتمد على معايير مطاطية فهي لا تكتسب من الثقة قدر ما تكتسبه جوائز (الكيمياء والطب والفيزياء) وإلا لما فاز بها سفَّاك الدماء إسحاق رابين. وغير بعيد عن جائزة السلام تقف جائزتا الاقتصاد والآداب اللتان لا ترتهنان أيضًا لمعايير صارمة. الأمر المؤلم في جائزة نوبل هو تقازُم رؤيتنا وتطلعاتنا -نحن العرب- للجائزة وانحسارها في فرعها الأدبي وحده، والأدهى من ذلك أيضًا هو انكفاء المبدعِين من الأدباء العرب واصطفافهم خلف مرشح وحيد قدَّم تنازلات كبيرة، وهرول بأقصى سرعته خلال السنوات المنصرمة لينال هذه الجائزة، وفي كل مرة وبعد أن تلامس أحلامُهُ الجائزةَ يجدها أدارت له ظهرها وحطت رحالها عند غيره، وموقفه هذا من جائزة نوبل للآداب يغاير تمامًا موقف نجيب محفوظ الفائز بها عام (١٩٨٨م) حينما ذكر بأنه لم يضعها في ذهنه أبدًا. والأشد إيلامًا ألا نتطلع -نحن العرب- في الجوائز العالمية كجائزتَي (نوبل والملك فيصل) إلا لفروعها النظرية دون أن يكون لنا ولو شرف (تمنِّي) الفوز بفروعها التطبيقية. ولذا لا أرى هذه الجوائز (العالمية) إلا مرآة صادقة تعكس الواقع العربي الرديء، وتعكس حجم الفارق بين النبوغ والطموح عند الفرد العربي وضده، وتعكس حجم الفارق في سلامة الرؤية وحجم الدعم عند الحكومات العربية وأضدادها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store